للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: فقهه وصلابته في دينه]

كان الإمام مالك من أشدّ الناس تركا لشذوذ العلم، وأشدهم انتقادا للرجال، وأقلهم تكلفا، وأتقنهم حفظًا، عارفا بتفسير الغريب من الحديث، وقد فتح بموطئه الباب للمؤلفين من علماء الإسلام، وعلمهم كيفية التأليف والتصنيف وحسن التبويب، فاستحسن طريقه كل من أتى يعده، فسلكوه، فهو إمام كل مؤلف، وقدوة كل مصنف.

وكان الإمام مالك مبالغا في تعظيم العلم والدين، حتى كان إذا أراد أن يُحدِّثَ توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته، واستعمل الطيب، وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة، ثمَّ حدّث، فقيل له في ذلك، فقال: "أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (١).

وكان صلبا في دينه، لم تغرّه الدنيا، ولم يرهبه السلطان، رُوي عن الإمام مالك أنّه قال: "دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: يا أبا عبد الله ينبغي أن تختلف إلينا، حتى يسمع صبياننا منك "الموطأ قال: أعزَّ الله أمير المؤمنين، إن هذا العلم منكم خرج، فإن أعززتموه عزَّ، وإن ذللتموه ذلَّ، والعلمُ يُؤْتى ولا يأتي، فقال: صدقت، أخرجوا إلى المسجد، حتى تسمعوا مع الناس" (٢).

وقد أراده الرشيد على الخروج معه إلى العراق فأبي، وأراده أن يحمل الناس على كتابه (الموطأ)، فأبي، وبين له أن (الموطأ) لم يجمع علم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ذلك أن علمه تفرق في الأمصار بتفرق الصحابة (٣).

وقد امتحن الإمام وجلد في عهد الدولة العباسية بسبب فتواه بعدم وقوع


(١) الإكمال في أسماء الرجال، انظر مشكاة المصابيح: ٣/ ٧٨٨، البداية والنهاية: ١٠/ ١٧٤.
(٢) المصدر السابق: ٣/ ٧٨٩.
(٣) المصدر السابق، وانظر إحياء علوم الدين: ١/ ٢٧.

<<  <   >  >>