للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصائد، إذا وجد صيده غريقا في الماء، عن أكله؛ لأن الأصل في الذبائح التحريم، وكون الصيد مات من السهم مشكوك فيه، لاحتمال أن يكون الماء قد قتله.

واستصحاب حكم الإجماع: هو أن يستصحب حال المجمع عليه حتى يثبت ما يزيله.

والذي قرره طائفة من الفقهاء والأصوليين وبعض الأحناف أن استصحاب البراءة الأصلية حجة للدفع لا للإثبات، ومرادهم أنَّه حجة على إبقاء ما كان على ما كان، ودفع ما يخالفه حتى يقوم دليل يثبت هذا الذي خالفه، وليس حجة لإثبات أمر غير ثابت، كالمفقود يُحكمُ باستصحاب الحال التي عُرِف عليها، وهي الحياة، حتى يقوم دليل على الوفاة، وهذا الاستصحاب حجة يدفع بها دعوى الوفاة، والإرث منه، وفسخ إجارته، وطلاق زوجته، ولكنه ليس حجة لإثبات إرثه من غيره؛ لأن حياته الثابتة بالاستصحاب حياة اعتبارية لا حقيقية.

ولم يتنازع الفقهاء في النوع الثاني وهو استصحاب الوصف المثبت للحكم وإنما تنازعوا في بعض أحكامه، واختلفوا في استصحاب حكم الإجماع والصحيح أنه حجَّة.

وخلاصة ما قرره ابن القيم أن "الاستصحاب لا يجوز الاستدلال به إلا إذا اعتقد انتفاء الناقل" (١).

الرابع: اعتقادهم أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملاتهم كلها على البطلان، حتى يقوم الدليل على الصحة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة شرط أو عقد أو معاملة استصحبوا بطلانه، فأفسدوا بذلك كثيرا من معاملات الناس، وعقودهم وشروطهم بلا برهان من الله بناء على هذا الأصل، وجمهور الفقهاء على خلاف هذا، وأن الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما


(١) راجع إعلام الموقعين: ١/ ٣٧٨، وعلم أصول الفقه، لخلاف: ٩١.

<<  <   >  >>