للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نهجه، واتبعوا سبيله في الاجتهاد، وقد يخالفونه لأنه بلغهم حديث لم يبلغه، وكل الأئمة أمروا أصحابهم أن يتبعوا الحديث الصحيح، وأن يعدوه مذهباً لهم. وعدَّ بعض أهل العلم أقوال علماء المذهب مذهباً للإمام. وإن خالفوا قول إمام المذهب؛ "لأن كثيراً من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه، قد تغيرت بتغير الزمان، بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة" (١). "وما تغير من الأحكام لتغير الزمان، إما لضرورة، وإما للعرف ولقرائن الأحوال كل ذلك غير خارج عن المذهب، لأن صاحب المذهب لو كان في هذا الزمان لقال بها، ولو حدث هذا التغير في زمانه لم ينص على خلافها، وهذا الذي جرأ المجتهدين في المذهب الحنفي وأهل النظر الصحيح من المتأخرين على مخالفة المنصوص عليه من صاحب المذهب في كتب صاحب الرواية" (٢).

[المبحث الثاني: تصحيح الأئمة لمذاهبهم]

لا شك أن الأئمة أثناء مسيرتهم العلمية كانوا دائمي التصحيح والتنقيح لمذاهبهم، فالأئمة بشر، يصيبون ويخطئون، وكلما امتد بهم العمر قويت ملكتهم العلمية، وحازوا علماً لم يطلعوا عليه من قبل، وهم كانوا أورع وأتقى من أن يقيموا على خطأ تبين لهم صوابه.

ذكر أبو شامة أن البويطي سمع الشافعي يقول: "لقد ألفت هذه الكتب، ولم آل فيها جهداً، ولا بدَّ أن يوجد فيها الخطأ، لأن الله تعالى يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (٣)، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه" (٤).


(١) شرح عقود رسم المفتي: ١/ ٤٤.
(٢) المصدر السابق: ١/ ٤٥.
(٣) سورة النساء: ٨٢.
(٤) المؤمل في الرد إلى الأمر الأول: ٣/ ٣٣.

<<  <   >  >>