إذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص، ولا قول صحابي، ولا أثر مرسل أو ضعيف عدل إلى الأصل الخاص، وهو القياس، فاستعمله للضرورة، وقد قال في كتاب الخلال: سألت الشافعي عن القياس، فقال: إنما يصار إليه عند الضرورة.
فهذه الأصول الخمسة هي أصول فتاويه، وعليها مدارها:
وقد يتوقف في الفتوى لتعارض الأدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين، وكان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، كما قال لبعض أصحابه: إيّاك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، وكان يسَوِّغ استفتاء فقهاء الحديث وأصحاب مالك، ويدلُّ عليهم، ويمنع من استفتاء مَن يُعْرِضُ عن الحديث، ولا يَبْني مذهبه عليه، ولا يُسَوِّغ العمل بفتواه، قال ابن هانئ: سألت أبا عبد الله عن الذي جاء في الحديث: (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)(١).
قال أبو عبد الله: يفتي بما لم يسمع. قال: وسألته عمن أفتي بفُتْيا يعني فيها، قال: فإثمها على من أفتاها.
قلت: على أي وجه يفتي حتى يعلم ما فيها؟ قال: يفتى بالبحث لا يدري أيشْ أصلها.
وقال أبو داود في مسائله: ما أحصِي ما سمعت أحمد: سئل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري، قال: وسمعته يقول: ما رأيت مثل ابن عُيْينة في الفتوى، أحسن فُتيْا منه كان أهونَ عليه أن يقول: لا أدري.