للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيًا بالعمل به، فقد صح عن أبي حنيفة أنه قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" وقد حكى ذلك الإمام ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة، ونقله الشعراني عن الأئمة الأربعة" (١).

[الحادي عشر: ردود العلماء الأعلام على موجبي التقليد]

كثير من العلماء النابهين بعد الأئمة وأصحابهم ردوا على الذين يوجبون التقليد، وأكثروا في كتبهم من التوجع والتشكي من الحال التي وصل إليها الفقهاء المقلدون، وسأنقل إليك طرفا من أقوالهم تزيد طالب العلم، بيانا واطمئنانا.

[١ - العلامة أبو شامة]

من هؤلاء العلامة أبو شامة، فإنه وصف عصر الاجتهاد ومنهج العلماء فيه، واعتمادهم على الحجة والدليل من غير تقليد، ثم قال مبينا حال أهل عصر التقليد: "ثمَّ اشتهرت المذاهب الأربعة، وهجر غيرها، فقصرت همم أتباعهم إلا قليلا منهم، فقلدوا بعدما كان التقليد لغير الرسل حراما، بل صارت أقوال أئمتهم عندهم بمنزلة الأصلين، وذلك معنى قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (٢)، فعدم المجتهدون، وغلب المقلدون، وكثر المتعصبون. . .، وحجروا على رب العالمين مثل اليهود أن لا يبعث بعد أئمتهم وليا مجتهدا، حتى آل بهم التعصب إلى أن أحدهم إذا ورد عليه شيء من الكتاب والسنة الثابتة على خلافه، يجتهد في دفعه بكل سبيل من التأويل نصرة لمذهبه ولقوله، ولو وصل ذلك إلى إمامه الذى يقلده، لقابله ذلك الإمام بالتعظيم وصار إليه، وتبرأ من رأيه مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم" (٣).


(١) شرح عقود رسم المفتي: ١/ ٢٤.
(٢) سورة التوبة: ٣١.
(٣) مختصر كتاب المؤمل: مجموعة الرسائل المنيرية.

<<  <   >  >>