للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله في الهر: (ليست بنجس؛ إنَّها من الطوافين عليكم والطوافات) بمنزلة قوله: كل ما هو من الطوافين عليكم والطوافات، فإنه ليس بنجس، ولا يستريب عاقل في أن من قال لغيره: لا تأكل هذا الطعام؛ فإنه مسموم، نهي عن كل طعام كذلك، وإذا قال: لا تشرب هذا الشراب؛ فإنه مسكر، نهي له عن كل مسكر، ولا تتزوج هذه المرأة؛ فإنها فاجرة، نهي له عن كل امرأة فاجرة.

الثاني: تقصيرهم في فهم النصوص، فكثير من الأحكام دلت عليها النصوص، ولم يفهموا دلالتها عليها، وسبب هذا أنهم حصروا الدلالة في مجرد ظاهر اللفظ دون إيمائه وإشارته وتنبيهه وعرفه عند المخاطبين، فلم يفهموا من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا. . .} (١) ضربا ولا سباً ولا إهانة، يقول ابن حزم في الآية: "ما فهم أحد قط في لغة العرب ولا العقل أن قول: "أف" يعبر به عن القتل والضرب، ولو لم يأت إلا هذه الآية ما حَرُم إلا قول "أف" فقط" (٢).

وهذه ظاهرية عجيبة، وقد علق الحافظ الذهبي على كلام ابن حزم هذا قائلا: " يا هذا، بهذا الجمود وأمثاله جعلت على عرضك سبيلا، ونصبت نفسك أعجوبة وضحكة، بل يقال لك: ما فهم أحد من عربي ولا نبطي، ولا عاقل ولا واع أن النهي عن قول: "أف" للوالدين، إلا وما فوقها أولى بالنهي منها، وهل يفهم ذو حس سليم إلا هذا؟! وهل هذا إلا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، وبالأصغر على الأكبر، بل مثل هذا مما أمن فيه حفظ اللسان العربي، بل العجمي، والتركي وجميع خطاب بني آدم، وهل إذا قال "لا تنهر والديك" إلا والنهي عن شتمهما، أو لعنهما، أو ضربهما حتى يستغيثا، أو خنقهما حتى يموتا بطريق الأولى؟! ".


(١) سورة الإسراء: ٢٣.
(٢) ملخص إبطال القياس: ٩

<<  <   >  >>