للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودون علماءُ أهل الرأي منهجهم وآراءهم ومآخذهم على أهل الحديث وأهل الظاهر، وقد قام بهذا علماء الأحناف.

وإذا شئت أن تطلع على أصول أهل الظاهر وهجومهم على من قال بالرأي والقياس، فارجع إلى كتب ابن حزم الأندلسي أمثال (المحلى) و (الأحكام)، فإنك ستشهد على صفحات كتبه معركة هائلة، حشد فيها من الحجج والبراهين الشيء الكثير، ونال من علماء الفرق الأخرى بلسانه وقلمه ما لا يستطيع أن يناله بسيفه وسنانه.

[المبحث الثاني: مقارنة بين المدارس الثلاثة]

لقد أحسن أهل الظاهر في الاعتناء بالنصوص الشرعية حفظا ومدارسة وتفقها، ولكنهم أخطؤوا في وقوفهم عند ظاهر النصوص، وقصَّروا في فهمها.

وأهل الرأي أحسنوا؛ إذ لم يقفوا عند ظاهر النص، بل غاصوا في أعماق النصوص، واستخلصوا علل الأحكام، ووسعوا دلالة النص، فنظروا في إشارته وإيمائه، وقاسوا النظير على النظير، والشبيه على الشبيه، ولكنهم أساؤوا فيما أحسن فيه أهل الظاهر، فلم يعتنوا بالنصوص عنايتهم بالعلل والقياس، ولم يبذلوا جهدهم في طلبها، ومعرفة الصحيح والضعيف من الأحاديث.

يقول ابن القيم واصفا حال هذه المدرسة: "وأهل الرأي والقياس لم يعتنوا بالنصوص، ولم يعتقدوها وافية بالأحكام، ولا شاملة لها، وغلاتهم على أنها لم تَفِ بعشر معشارها، فوسعوا طريق الرأي والقياس، وقالوا بقياس الشبه (١). وعلقوا الأحكام بأوصاف لا يعلم أن الشارع علقها بها، واستنبطوا عللا لا يعلم أن الشارع شرع الأحكام لأجلها، ثمَّ اضطرهم ذلك إلى أن


(١) قياس الشبه هو: الجمع بين الأصل والفرع بمجرد الله من غير علة تجمع بينهما، كقول أخوة يوسف: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [سورة يوسف: ٧٧]، فقد استدلوا على سرقته بكون أخاه قد سرق من قبل.

<<  <   >  >>