للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم والمعرفة والاستدلال، فأما مع جهله وبعده عن سيرة الإمام وعلمه وطريقه، فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة، والقول الفارغ من كل معنى؟ والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب، ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره، ولا يلزم أحدا قط أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره.

وعلى ذلك فالعامي مذهبه مذهب مفتيه، كما نص على ذلك العلماء، وعليه أن يتحرى في استفتائه فلا يستفتي إلا من غلب على ظنه أنه من أهل العلم والورع والتقوى، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (١).

[الاتباع لا التقليد]

العالم المجتهد الذي أحاط بالشريعة لا يجوز له التقليد، والعامي لا يتصور في حقِّه إلا أن يصير إلى قول من يفتيه، ولكن ما موقف طلبة العلم الذين ارتقوْا عن مرتبة العوام، ولم يبلغوا مرتبة العلماء المجتهدين، لا شك أن هؤلاء في مرتبة وسطى بين الفريقين السابقين، فهم فريق ثالث ليسوا بالمقلدين ولا المجتهدين، وقد أطلق عليهم اسم المتبعين؛ لأنهم يتابعون غيرهم بعد النظر في أدلتهم، قال ابن عبد البر: "قال أبو عبد الله بن خويزمنداد البصري المالكي: التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجّة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجّة، وقال في موضع آخر من كتابه: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوّغ، والتقليد ممنوع" (٢).


(١) سورة النحل: ٤٣.
(٢) جامع بيان العلم: ٢/ ١٤٣.

<<  <   >  >>