وهذا التوجه في عدّ المذاهب الفقهية مذهبا واحدا أو كالمذهب الواحد له فوائده وثماره الخيرة، ومن هذه الفوائد والثمار:
١ - تحقيق الوحدة بين المسلمين، فالمسلمون كما قرر كتابهم ودعا إليه رسولهم أخوة فيما بينهم، والأئمة كما مرَّ معنا كانوا أخوة يدعو بعضهم لبعض، ويحب بعضهم بعضًا، وينصح بعضهم لبعض.
٢ - وهو ينزع فتيل العصبية المذهبية القائمة على تعظيم بعض أهل العلم، والغض من شأن الآخرين، وموالاة إمام والبحث عن عيوب الآخرين، والتعصب لأقوال وفتاوى واجتهادات واحد من الأئمة، ورمي أقوال غيره من الأئمة.
وقد أدى كل هذا إلى البغضاء والاقتتال والخصام بين أبناء الدين الواحد والملة الواحدة من أهل السنة والجماعة.
٣ - هذا النهج يقلل الخلاف ولا يزيده، ففي كل مذهب من الاختلاف بين أصحاب المذهب الواحد شيء كثير، وفي كل مذهب من الأقوال الشاذة والوجوه والاختيارات الضعيفة ما جعل المحققين في كل مذهب يضجون بالشكوى، وينادون بتصحيح المسار، وتقويم الأخطاء.
٤ - هذا النهج يعيد للفقه اتساعه وشموله، فقد رأينا كيف ضاق الحال بأتباع كل مذهب في بعض المسائل مما جعلهم يترخصون باتباع مذهب آخر لما يرونه من حرج في اتباع مذهبهم.
ليس هناك عالم واحد أحاط بالسنة كلها وبالدين كله، ومع أن كل مذهب فيه خير كثير، إلا أن اتباعه قد يجانبهم الصواب في بعض المسائل، فجعل فقه الأئمة فقهًا للكتاب والسنة يوسع الدائرة، ويجعل أنظار المجتهدين والعلماء تجول في تلك الدائرة الكبيرة والواسعة، وبذلك يرتفع كثير من الحرج والمعاناة التي قد يجدها بعض أصحاب كل مذهب في بعض الأحيان.