للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: السبب في صعوبة معرفة الصحيح من المذهب]

سهّل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بتصحيحه مذهبه على من بعده معرفة الصحيح من مذهبه، وذلك برجوع الباحث إلى مذهبه الجديد، بل إن كتب الإمام الشافعي التي تمثل مذهبه القديم لم تحفظ، ولم يبق منها إلا صفحات متناثرة في كتب أهل العلم، ولذلك لم نجد له في أيامنا كتاباً مطبوعاً من كتبه التي تمثل قديم مذهبه.

أما غيره من الأئمة فإن ما حفظ عنه أصحابه وتلامذته من أقواله ومروياته يمثل مذهبه، ما رجع عنه، وما لم يرجع عنه، وقد يشير الواحد من الأئمة إلى ما صار إليه اجتهاده من الأقوال التي رويت عنه كأن يقول في أحد القولين، هذا أحبُّ إلي، أو يقول: هذا أولى، وبالحق أشبه.

وقد ينبه على هذا تنبيهاً خفياً، كأن يذكر قولين، ويفرع على أحدهما، ولا يفرع على الآخر، فإن تفريعه على أحدهما يدل على قوته عنده، وأن المفرع عليه أقوى عنده من القول الذي لم يفرع عليه (١).

يقول المرداوي: "كلام الإمام قد يكون صريحاً أو تنبيهاً، كقولنا: أومأ إليه، أو أشار إليه، أو دل كلامه عليه، أو توقف فيه ونحو ذلك" (٢).

وقد ذكر الطوفي أن "الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان يقول كثيراً: كنت أقول كذا، ثم تركته، أو جبنت عنه، كقوله في المتيمم يجد الماء في الصلاة: كنت أقول: يمضي في صلاته، ثم تدبرت، فإذا أكثر الأحاديث على أنه يخرج.

وقوله: كنت أقول: إنّ من قال بخلق القرآن لا يكفر، ثمَّ نظرت، فإذا


(١) المحصول للرازي: ٥/ ٣٩٢. البحر المحيط للزركشي: ٦/ ١٢٠.
(٢) الإنصاف: ١٢/ ٢٤١.

<<  <   >  >>