للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: محنة الإمام أحمد]

أحدث المأمون في عصره القول بأن القرآن مخلوق، وليس كلام الله، وأكره الناس على قول ذلك، وفتن من لم يجبه إلى هذا القول، وثبت الإمام أحمد ثبوت الجبال الراسيات، وسجن وعذب وجلد، فلم يغير موقفه، وحفظ الله به الدين، وقد استمرت الفتنة مدة خلافة المأمون والمعتصم والواثق، فلما تولى المتوكل رفع الفتنة وأظهر السنة، وأكرم الإمام أحمد، وابتلي أحمد بالدنيا، فلم يتوجه إليها ولم تغره، وبقي على حاله لم يتغير.

[المطلب الرابع: أصول مذهبه]

بنى الإمام أحمد مذهبه على خمسة أصول:

الأصل الأوّل: الاعتماد على النصِّ عدم الالتفات إلى ما خالفه:

فإذا وجد النص أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه، ولا مَنْ خالفه كائناً من كان، ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس، ولا إلى خلافه في التيمم للجنب لحديث عمار بن ياسر، ولا إلى خلافه في استدامة المحرم الطيب الذي تطيّب به قبل إحرامه، لصحة حديث عائشة في ذلك، ولا خلافه في منع المفرد والقارن من الفَسْخ إلى التمتع، لصحة أحاديث الفسخ.

وكذلك لم يلتفت إلى قول علي وعثمان وطلحة وأبيّ بن كعب في ترك الغسل من الإكسال (١)، لصحة حديث عائشة أنها فعلته هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلا، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس، وإحدى الروايتين عن علي أن عدة المُتوفّى عنها الحامل أقصى الأجلين، لصحة حديث سُبيعة الأسْلمية، ولم


(١) هذا المبحث مأخوذ من إعلام الموقعين: ١/ ٢٩، ٣٣، وانظر المدخل، لابن بدران: ص ٤١.

<<  <   >  >>