للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعلماء الأعلام يعرفون لأهل المدينة فضلهم وتقدمهم على غيرهم، ففي القرون الثلاثة التي أثنى عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان مذهب أهل المدينة أصح مذاهب أهل المدائن، فكانوا يتأسون بأثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سائر الأمصار، وكان غيرهم من أهل الأمصار دونهم في العلم بالسنة النبوية (١).

ومما يدل على فضل أهل المدينة في الأعصار الثلاثة أن المدينة خلت من الباع في تلك الأعصار، فلم يخرج منها بدعة في أصول الدين البتة كما خرج من سائر الأمصار. . .، فالكوفة خرج منها التشيع والإرجاء، وانتشر بعد ذلك في غيرها، والبصرة خرج منها القدر والاعتزال، والنسك الفاسد، وانتشر بعد ذلك في غيرها، والشام كان بها النَّصْبُ والقدر، وأما التجهم فقد ظهر من ناحية خراسان، وهو شر الباع. . ." أما المدينة فكانت سليمة من ظهور البدع، وإن كان بها من هو مضمر لذلك، فكان عندهم مهانا مذموما. . . (٢).

وتحقيق القول في هذه المسألة أن من عمل أهل المدينة ما هو حجة باتفاق العلماء، ومنها ما هو حجة باتفاق أكثرهم، ومنها ما هو حجة عند بعضهم، ومنها ما ليس بحجة عند جمهورهم، فهذه أربع مراتب:

[المرتبة الأولى: ما كان عملهم حجة باتفاق العلماء]

وهو ما يجري مجرى النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلعلماء المدينة في هذا من السبق والتقدم ما ليس لغيرهم، فالأحاديث النبوية المدنية هي أشرف أحاديث أهل الأمصار، ومن تأمل أبواب البخاري وجده أول ما يبدأ في الباب بها ما وجدها، ثم يتبعها بأحاديث أهل الأمصار، وهذه كمالك عن نافع عن ابن عمر، وابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ومالك عن هشام


(١) صحة عمل أهل المدينة، لابن تيمية: ٢٠.
(٢) صحة عمل أهل المدينة: ٢١ - ٢٣.

<<  <   >  >>