قول الذين حرموا التقليد يقابل قول الذين أوجبوه، والقولان متعارضان، والحق وسط بينهما، والقول المختار، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، أن التقليد ثلاثة أقسام: قسم يحرم القول به والمصير إليه، وقسم يجب القول فيه والمصير إليه، وقسم يسوغ المصير إليه من غير إيجاب.
وقد فصل ابن القيم هذه الأقسام، وقسم القسم الأول، وهو الذي يحرم القول به والمصير إليه إلى ثلاثة أنواع:
أحدها: الإعراض عما أنزل الله، وعدم الالتفات إليه اكتفاء بتقليد الآباء.
الثاني: تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله.
الثالث: التقليد بعد قيام الحجة، وظهور الدليل على خلاف قول المقلد.
والفرق بين النوع الثالث والذي قبله أن الأول قلد قبل تمكنه من الحجّة والبرهان، وهذا قلد بعد ظهور الحجّة، فهو أولى بالذم ومعصية الله ورسوله.
وأهل هذه الأنواع الثلاثة لا يجوز أن يتصدروا للتدريس والفتيا، فهم كالذي يدلُّ الركب، وليس له علم بالطريق، وكالأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب، وهو يطبب الناس.
ثم تحدث عن القسم الثاني الذي يجب المصير إليه والقول به، فذكر أن كل من أمرنا الله أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقبول أقوالهم لا بدَّ من متابعتهم، فقد أمرنا الله بقبول قول الشاهد، وجاءت الشريعة بقبول قول القائف، والخارص، والقاسم، والمقوم، والحاكمين بالمثل في جزاء الصيد، ومن الذين شرع الله قبول أقوالهم رواة الحديث، الذين يخبرون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم المفتي