للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودراسة، فكان موقف داود ردَّة فعل للذين تطرفوا بالأخذ بالرأي، فجاء موقفه تطرفا في الجانب الآخر، فمنع الأخذ بالقياس (١)، وقال بعدم تعليل النصوص، وقصر منهجه على الأخذ بظاهر النصوص.

وقد أدى منهجه هذا إلى الاعتناء بالنصوص حفظا ومدارسة وفقها وتعليما إلا أنهم وقفوا عند ظاهرها، ولم يغوصوا في أعماقها.

[المبحث الثاني: أخطاء أهل الظاهر]

لقد أدى هذا المنهج بأهل الظاهر إلى نتائج خطيرة، فقد جوزوا ورود الشريعة بالفرق بين المتساويين، والجمع بين المختلفين؛ لأنهم -كما عرفت- يقرون أن الشارع ينهى عن الشيء لا لمفسدة، ويأمر به لا لمصلحة (٢) (٣) وقد خطأهم ابن القيم من أربعة أوجه (٤):

أحدها: رد القياس الصحيح (٥)، ولا سيما المنصوص على علته، الذي يجري النص عليها مجرى التنصيص على التعميم، فلا يشك عاقل أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس) بمنزلة قوله: ينهيانكم عن كل رجس.


(١) سبق إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي داود الظاهري إلى هذا القول، وتابعه معتزلة أئمة في الاعتزال على قوله، منهم جعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، ومحمد بن عبد الله الإسكافي، انظر جامع بيان العلم، لابن عبد البر: ٢/ ٧٨.
(٢) من ظاهرية أصحاب الظاهر أنهم لا يجوزون لمن بال في الماء الدائم الذي لا يجري أن يتوضأ منه عملا بالحديث الذي ينهى عن ذلك، ولكنهم يجوزون لغير البائل أن يتوضأ منه ويغتسل، كما فرقوا بين البول في الماء مباشرة، والبول في إناء ثم صبه في الماء، أو بوله بجانب الماء بحيث يجري البول إلى الماء، فلم يحرموا التوضأ إلا على الماء الذي يتبول فيه مباشرة. انظر المجموع، للنووي.
(٣) إعلام الموقعين: ٢/ ٣٤، ١٤٩.
(٤) اعلام الموقعين: ١/ ٣٧٧.
(٥) انظر الأحكام في أصول الأحكام، لابن حزم: ٢/ ٩٧٧

<<  <   >  >>