شيئا يدفعه، أو نحو هذا، كما قال في رواية أبي طالب: لا أعلم شيئاً يدفع قول ابن عباس وابن عمر وأحد عشر من التابعين: عطاء، ومجاهد، وأهل المدينة على تَسَرِّي العبد، وهكذا قال أنس بن مالك: لا أعلم أحداً رد شهادة العبد، حكاه عنه الإمام أحمد، وإذا وجد الإمام أحمد هذا النوع عن الصحابة لم يقدم عليه عملا ولا رأيا ولا قياسا.
[الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابة أخذ ما كان أقرب إلى الكتاب والسنة]
إذا اختلف الصحابة تخيَّر من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها، ولم يجزم بقول. قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في مسائله: قيل لأبي عبد الله: يكون الرجل في قومه، فيسأل عن الشيء فيه اختلاف؟
قال: يفتي بما وافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه. قيل له: أفيجاب عليه؟ قيل: لا.
[الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف]
كان يأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالحديث الضعيف عنده الباطل ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم، بحيث لا يسوغ الذهاب إليه، والعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسِيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسِّم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعاً على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس، وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل، من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قَدَّم الحديث الضعيف على القياس.