نبغ في كل مذهب جملة من أهل العلم والتحقيق كان لهم دور كبير في تحقيق المذهب وتصحيحه، ومن الأعلام في هذا الباب الإمام النووي رحمه الله تعالى، وقد شرح المهذب لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، وهو من الكتب المعتمدة في مذهب الشافعية في كتابه المجموع، وقد حدثنا النووي في مقدمة المجموع عن الجهد الذي قام به في تصحيح المذهب فقال:
"واعلم أن كتب المذهب فيها اختلاف شديد بين الأصحاب، بحيث لا يحصل للمطالع وثوق بكون ما قاله مصنف منهم هو المذهب، حتى يطالع معظم كتب المذهب المشهورة، فلهذا لا أترك قولاً ولا وجهاً ولا نقلاً ولو كان ضعيفاً أو واهياً إلا ذكرته إذا وجدته إن شاء الله تعالى، مع بيان رجحان ما كان راجحاً، وتضعيف ما كان ضعيفاً، وتزييف ما كان زائفاً، والمبالغة في تغليط قائله، ولو كان من الأكابر، وإنما أقصد بذلك التحذير من الاغترار به.
وأحرص على تتبع كتب الأصحاب من المتقدمين والمتأخرين إلى زماني من المبسوطات والمختصرات، وكذلك نصوص الإمام الشافعي صاحب المذهب رضي الله عنه، فأنقلها من نفس كتبه المتيسرة عندي، كالأم والمختصر والبويطي، وما نقله المفتون المعتمدون من الأصحاب، وكذلك أتتبع فتاوى الأصحاب، ومتفرقات كلامهم في الأصول والطبقات، وشروحهم للحديث وغيرها، وحيث أنقل حكماً أو قولاً أو وجهاً أو طريقاً أو لفظة لغة أو اسم رجل أو حاله أو ضبط لفظة أو غير ذلك وهو من المشهور اقتصر على ذكره من غير تعيين قائليه لكثرتهم، إلا أن أضطر إلى بيان قائليه لغرض مهم، فأذكر جماعة منهم، ثم أقول: وغيرهم، وحيث كان ما أنقله غريباً أضيفه إلى قائله في الغالب، وقد أذهل عنه في بعض المواطن؛ وحيث أقول: الذي عليه الجمهور كذا، أو الذي عليه المعظم، أو قال الجمهور أو المعظم أو الأكثرون كذا، ثم أنقل عن جماعة خلاف ذلك فهو كما أذكره إن شاء الله تعالى.