إلا أن الذي يلفت النظر في المسألة أن الفقهاء أتباع المذهب الواحد قلما يخلو واحد منهم من الأخذ بالقول المرجوح، وبقول غير إمام مذهبه في ملمة ألمت به في خاصة نفسه، وهذا يقودنا إلى أن التخير بين الأقوال والأخذ برخص المذاهب سببه في بعض الأحيان شعور أتباع المذهب بما يسببه الأخذ بالمذهب أو بالراجح فيه من حرج وعنت.
لقد تبين من خلال التطبيق أن في المعتمد من المذهب ما تضيق الحياة به، ولذا فإن الناس يتهربون من اتباع مذهبهم في تلك المسألة، ولكن علماء المذهب يأخذون بزمام الأمر، ويلزمون الناس باتباع المذهب، وقد استشرت هذه المشكلة، وكانت أحد أسباب الخروج عن الشريعة الإسلامية والأخذ بالقوانين الغربية.
إن في كل مذهب حق كثير وخير كثير، ولكن ليس كل ما فيه حق، ولا يحيط كل واحد من المذاهب بالأحكام الشريعة، فالكمال من خاصة الشريعة وحدها.
لقد كان الواجب على العلماء أن يستفيدوا من فقه جميع الأئمة وأصحابهم وأتباعهم، وما توصلوا إليه من علم، على أن تبقى دراسة الكتاب والسنة هي الأصل الذي تدور عليه الدراسة والفقه، وفى دائرتهما ينمو الفقه ويمتد، وفي ضوئهما تصوب الأخطاء، ويصحح المسار، ويتبين للعلماء أحكام ما يجد من النوازل والكائنات.
والقاعدة الذهبية في هذا ما دل عليه قوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(١)