للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: أما قول إمامنا مالك بن أنس فالذي قاله أصحابنا الفقهاء، وأما أهل العراق فإنهم لا يجيزون الحبس أصلاً، وهم علماء أعلام يهتدي بهم أكثر الأمة، وإذا كان بأمير المؤمنين في الحاجة إلى هذا المجشر ما به فما ينبغي أن يردّ عنه، وله في السُّنة فسحة، وأنا أقول فيه يقول أهل العراق، وأتقلد ذلك رأياه.

فقال له الفقهاء: سبحان الله، تترك قول مالك الذي أفتى به أسلافنا ومضوا عليه، واعتقدناه بعدهم، وأفتينا به لا نحيد عنه بوجه، وهو رأي أمير المؤمنين ورأي الأثمة آبائه؟

فقال لهم محمد بن يحيى: ناشدتكم الله العظيم، ألم تنزل بأحد منكم ملمة بلغت بكم أن أخذتم فيها يقول غير مالك في خاصة أنفسكم، وأرخصتم لأنفسكم، قالوا: بلى، قال: أمير المؤمنين أولى بذلك، فخذوا به مآخذكم، وتعلقوا يقول من يوافقه من العلماء، فكلهم قدوة فسكتوا.

فقال للقاضي: أنهِ إلى أمير المؤمنين فُتياي.

فكتب القاضي إلى أمير المؤمنين بصورة المجلس، وبقي مع أصحابه بمكانهم إلى أن أتى الجواب بأن يأخذ له بفتيا محمد بن يحيى بن لبابة، وينفذ ذلك، ويعوض المرضى من هذا المجشر بأملاك ثمينة عجيبة، وكانت عظيمة القدر جداً تزيد أضعافاً على المجشر (١).

إن هذا المنهج الذي ذكر له الشاطبي هذه الأمثلة مرفوض لا يقبل بحال، لأن مردّ الاختيار بين الأقوال إلى الهوى، وقد نهى رب العزة عن اتباع الهوى {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (٢) ومتى رد المرء أموره إلى الهوى فإنه يكون قد اتخذ الهوى إلهاً معبوداً {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (٣).


(١) المصدر السابق: ٤/ ٨٦.
(٢) سورة ص: ٢٦.
(٣) سورة الجاثية: ٢٣.

<<  <   >  >>