نبغ في عصر التابعين وعصر الأئمة المجتهدين مجموعة كبيرة من العلماء، وكانت الأمصار في الدولة الإسلامية تزخر بالعلم والعلماء، وكثير من هؤلاء العلماء بلغوا مرتبة الاجتهاد المطلق.
وقد اختط بعض هؤلاء العلماء الأخيار طريقة سلكوها في التعرف على الأحكام، وأصبح لكل منهم تلاميذ واتباع يتبنون طريقته، وقد عرفت هذه الطرق بالمذاهب.
والمذاهب الفقهية الباقية إلى اليوم هي مذهب الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد. وهناك مذاهب انقرض اتباعها، كمذهب الليث بن سعد، ومذهب داود الظاهري، وابن جرير الطبري.
ومن ينظر اليوم في المذاهب الفقهية الباقية فإنه يجد أن لكل مذهب بناء فقيهاً هائلاً له مؤلفاته وقواعده وأصوله وعلماؤه ومؤلفاته، وجذور كل مذهب تمتد إلى صاحب المذهب ومؤسسه.
ومؤسسو المذاهب علماء أعلام، تربوا على أيدي العلماء الذين سبقوهم، وأخذوا عنهم ما حفظوه وفقهوه من ميراث النبوة، وقد كانت البلاد الإسلامية في عصر الأئمة تموج بالعلم والعلماء، وقد استقطبت العلوم الشرعية أصحاب العقول الراجحة، والنفوس الزاكية، والهمم العالية، فالعلماء بالشريعة كانوا هم أصحاب المكانة العالية المرموقة في المجتمعات الإسلامية.
وقد تفتحت عقول الأئمة على أنوار الوحي من الكتاب والسنة من غير أن