للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعزلها عنه ظلمات التقليد التي منعت العقول فيما بعد من الغوص في الكتاب والسنة وهي تواجه المسائل والمستجدات والقضايا التي تعرض للمسلمين في ذلك العصر.

لقد سما الأئمة رضوان الله عليهم بما علموه من علم الوحي إلى درجات راقية، وأحكموا مذاهبهم وقعدوها، وتركوا لمن بعدهم ثروة علمية تعين من وراءَهم على معرفة الحق، كما تعينهم على فقه النصوص.

يقول العلامة أبو شامة الفقيه الشافعي: "بنى الشافعي مذهبه بناء محكماً، وذلك أنه كان اعتماده على كتاب الله وسنة رسوله، والنظر الصحيح من الاجتهاد الراجع إلى الكتاب والسنة، وترجيح أشبه المذاهب بالكتاب والسنة" (١)، وكل الأئمة أحكموا مذاهبهم على هذا النهج الذي ذكره أبو شامة.

وقد تمثلت مذاهبهم في أقوالهم التي دونوها في كتبهم، أو أملوها على تلامذتهم، أو أجابوا بها من سألهم واستفتاهم، وقد حملها عنهم أصحابهم وتلامذتهم.

وجاء أصحاب الأئمة من بعدهم، فكان لهم دور كبير في استيعاب علوم أئمتهم، وحفظها ونقلها، ولولاهم لضاعت مذاهبهم وتلاشت، واعتبر بهذا بعالم مصر المحدث الفقيه الليث بن سعد رحمه الله، فإن جمعا من أهل العلم يقدمونه على الإمام مالك، ولكن أصحابه لم يحفظوا فقهه، يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به" (٢).

ولم يقتصر دور أصحاب الأئمة وتلامذتهم على نقل أقوال أئمتهم واستيعاب. ما سمعوه منهم، فقد كان الرعيل الأول من أهل كل مذهب أصحاب عقول راجحة، قادرة على النظر والاستنباط، ولذلك فإن كثيراً منهم كانوا يزاحمون


(١) مختصر كتاب: "المؤمل في الرد إلى الأمر الأول" لأبي شامة، مجموعة الرسائل المنيرية: ٣/ ٣٧.
(٢) تاريخ الإسلام للذهبي: ١/ ٣٠٧، حوادث: ١٧١ - ١٨٠. تهذيب الأسماء واللغات للنووي: ٢/ ٧٤.

<<  <   >  >>