للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أئمتهم في الاجتهاد، ولم يكونوا يتحرجون من مخالفة أئمتهم إذا تبين لهم أن الحق في خلاف قولهم.

واعتبر في هذا بالمذهب الحنفي، فإن أصحاب الإمام أبى حنيفة وتلامذته شاركوا الإمام في تأصيل المذهب وإنضاجه، فمدونات الحنفية تذكر أن أصحاب أبى حنيفة الذين دونوا معه الكتب كانوا أربعين رجلاً، كانوا يختلفون عنده في جواب المسألة، فيأتي هذا بجواب، وهذا بجواب، ثمَّ يرفعونها إليه، ويسألونه عنها، فيأتي بالجواب عن كثب، وكانوا يقيمون في المسألة ثلاثة أيام، ثمَّ يكتبونها في الديوان (١).

ويبدو أن هذا الديوان الذي كتبت فيه مسائل الفقه التي تمخص عنها اجتهاد أبي حنيفة وأصحابه تمثل أصول المدونات الفقهية التي دونها أصحاب أبى حنيفة من بعده.

والكتب المعتمدة عند الحنفية لا تقصر المذهب على أقوال أبي حنيفة، فقد يكون المذهب قول أبى حنيفة، وقد يكون قول أبي يوسف، أو محمد بن الحسن، أو قول زفر، أو الحسن بن زياد، وسيأتي بيان هذا وتوضيحه.

المذهب: لغة واصطلاحاً

المذهب في لغة العرب: الطريق الذي يذهب فيه؛ أي يُسارُ فيه، ويمرُّ منه، ويطلق أيضا على الشيء الذي يذهب إليه الإنسان، سواءً أكان حسيا أو معنويا، يقول الشيخ أحمد الصاوي: "المذهب في الأصل محل الذهاب، كالطريق المحسوسة" (٢)، وجاء في لسان العرب أن "المذهب المتوضأ؛ لأنه يذهب إليه، والمعتقد الذي يذهب إليه" (٣)، ويذكر الكسائي أن العرب تطلقه


(١) انظر مقدمة نصب الراية: ١/ ٣٨. وهذه الأقوال منقولة عن أسد بن الفرات، وإسحاق ابن إبراهيم، والموفق المكي وغيرهم.
(٢) حاشية أحمد الصاوي على شرح الصغير للدردير: ١/ ١٦.
(٣) لسان العرب: ١/ ١٠٨١.

<<  <   >  >>