للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الرد على من أوجب التقليد]

[أولا: لا دليل على الوجوب]

دعوى إيجاب التقليد دعوى مرفوضة، فلا واجب إلا من أوجبه الله ورسوله، ولم يرد في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يدلُّ على وجوب التقليد، ثمَّ التقليد مخالف لما كان عليه الحال في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين لهم بإحسان، بل مخالف لما كان عليه الأئمة رضوان الله عليهم، فقد كان في المسلمين في تلك الأيام علماء، وفيهم عوام، فكان عوام المسلمين يسألون العلماء عمّا يعرض لهم من مشكلات، وكانوا يسألونهم عن حكم الله في المسألة، ولم يوجبوا على المسلم أن يلتزم قول عالم من العلماء لا يتعداه.

يقول ابن عبد البر: "أمّا التقليد فهو قبول قول الغير من غير حجّة، فمن أين يحصل به علم، وليس مستند إلى قطع، هو في نفسه بدعة محدثة؛ لأنَّا نعلم بالقطع أن الصحابة رضوان الله عليهم، لم يكن في زمانهم وعصرهم مذهب لرجل معين يُدْرك ويقلَّد، وإنما كانوا يرجعون في النوازل إلى الكتاب والسنة، أو إلى ما يتمخض بينهم من النظر عند فقد الدليل، وكذلك تابعوهم أيضا يرجعون إلى الكتاب والسنة، فإن لم يجدوا نظروا إلى ما أجمع عليه الصحابة، فإن لم يجدوا اجتهدوا، واختار بعضهم قول صحابي فرآه الأقوى في دين الله تعالى. ثمَّ كان القرن الثالث، وفيه كان أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، وكانوا على منهاج من مضى، لم يكن في عصرهم، مذهب رجل معين يتدارسونه. . . " (١).

وقال ابن القيم في التقليد: "وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمَّة، لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام، وهم أعلى رتبة، وأجل قدرا، وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك، وأبعد منه قول من قال: يلزم أن


(١) القول المفيد، للشوكاني: ص ٤٣

<<  <   >  >>