يتمذهب بمذهب عالم من العلماء، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة" (١).
[ثانيا: الإجماع على عدم وجوب تقليد عالم بعينه]
من الذين استنكروا قول من زعم وجوب تقليد أحد الأئمة الأربعة الحافظ العراقي، والزركشي، وعز الدين بن عبد السلام، والنووي، وكان عز الدين يذكر إجماعين يدلان على عدم وجوب تقليد شخص بعينه:
الأول: إجماع الصحابة على أنّه يجوز للعامي استفتاء أي عالم في مسألة، ولم ينقل عن السلف الحجر في ذلك، ولو كان ممتنعا لما جاز للصحابة إهماله، وعدم إنكاره؛ ولأن كل مسألة لها حكم في نفسها، فكما لم يتعين الأول للاتباع في الأولى إلا بعد سؤاله، فكذلك في الأخرى.
الثاني: إجماع الأمّة أن من أسلم لا يجب عليه اتباع إمام معين، فإذا قلد معينا، وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه، ولا سيما الإجماع لا يرفع إلا بما هو مثله في القوة.
وقال العراقي نقلا عن النووي: "الذي يقتضيه الدليل أنه لا يلزم الشخص التمذهب بمذهب، بل يستفتي من شاء، لكن من غير تتبع الرخص".
وقال الشعراني في (الدرر المنثورة): "لم يبلغنا عن أحد من السلف أنه أمر أحدا أن يتقيد بمذهب معين، ولو وقع منهم ذلك، لوقعوا في الإثم؛ لتفويتهم العمل بكل حديث لم يأخذ به ذلك المجتهد الذي أمر الخلق باتباعه وحده. والشريعة حقيقة إنما هي مجموع ما بأيدي المجتهدين كلهم لا بيد واحد منهم، ولم يوجب الله على أحد التزام مذهب معين بخصوصه لعدم عصمته. ومن أين جاء الوجوب والأئمة كلهم قد تبرؤوا من الأمر باتباعهم، وقالوا إذا بلغكم الحديث فاعملوا به، واضربوا بكلامنا عرض الحائط".