ومدرسة أهل الحديث كان لها فضل السبق إلى تدوين السنة، وقد كابد علماء الحديث في سبيل جمع الحديث وتدوينه الشيء الكثير. وقد جمعوا السنة، وخلصوها مما شابها، ودونوها، وجمعوا مع السنة آثار فقهاء كلِّ بلد من الصحابة والتابعين، ودونوا المدونات التي تبحث في رجال الحديث، ووضعوا القواعد والضوابط التي يحكم بها على عدالة الرجال، وبذلك دُوِّنَ فن مصطلح الحديث، والجرح والتعديل.
[المبحث السابع: أصول أهل الحديث في بيان الأحكام]
لم يكن من طريقة أهل الحديث أن يقلدوا رجلا بعينه في كل ما يذهب إليه، ولذلك نجدهم اتبعوا منهجا واضحا للتوصل إلى الحكم الصحيح، من خلال ما وجدوه من الأحاديث والآثار، وقد بين الدهلوي أصول هذا المنهج ومعالمه (١):
١ - إذا وجدوا في المسألة قرآنا ناطقا، فإنهم لا يجيزون التحول منه إلى غيره، فإذا كان القرآن محتملا لوجوه، فالسنة قاضية عليه.
٢ - فإذا لم يجدوا حكم المسألة في كتاب الله، فإنهم يأخذون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يفرقون في هذا بين السنة المستفيضة الدائرة بين الفقهاء وغير المستفيضة، ولا يشترطون مجيء الحديث من رواية أهل بلد أو أهل بيت أو بطريقة خاصة، كما أنهم لا يشترطون عمل الصحابة بالحديث، أو عمل التابعين، كل ما يشترطونه هو صحة الحديث.
ومتى صح الحديث فلا يتبعون خلافه، فلا اعتبار للآثار، ولا لآراء المجتهدين، إذا خالفت الحديث.
٣ - وإذا أفرغوا جهدهم في تتبع الأحاديث، ولم يجدوا في المسألة حديثا، أخذوا بأقوال جماعة من الصحابة والتابعين، ولا يتقيدون بقوم دون قوم،