للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزركشي: "وعندي أنه حيث نص على قولين في موضع واحد، فليس له فيها مذهب، وإنما ذكر القولين لتردده فيهما، وعدم اختياره لأحدهما" (١).

وأحسن ما يعتذر عن الإمام في مثل هذه الحال أنه تعارض عنده الدليلان، أي دليلا القولين في المسألة، فقال بمقتضاهما، أي أطلق القول لذلك على شريطة الترجيح (٢).

[المطلب الثالث: التخير من الأقوال والوجوه بالتشهي والهوى]

رأينا كيف كثرت الاجتهادات في كل مذهب وتعددت، وكيف أن المجتهدين في كل مذهب كانوا يفتون بما ترجح دليله عندهم، أما غيرهم فعليهم الفتوى بالراجح من المذهب.

وقد كثر في كل مذهب من يتخير من أقوال إمام المذهب وأقوال أصحابه وعلماء مذهبه بما يحب ويشتهي من غير مرجح، ولا عمل بالقول الراجح.

وقد سنن المحققون في كل مذهب حملة كبيرة على هذا الصنف من المنتسبين إلى المذاهب، ووسموهم باتباع الهوى والعمل بالدين بما يشتهون.

يقول ابن القيم: "إذا اعتدل عند المفتي قولان، ولم يترجح له أحدهما على الآخر. . . فالأظهر أنه يتوقف، ولا يفتيه بشيء، حتى يتبين له الراجح منهما، لأن أحدهما خطأ، فليس له أن يفتيه بما لا يعلم أنه صواب، وليس له أن يخيره بين الخطأ والصواب، وهذا كما إذا تعارض عند الطبيب في أمر المريض أمران خطأ وصواب، ولم يتبين له أحدهما، لم يكن له أن يقدم على أحدهما، ولا يخيره، وكما لو استشاره في أمر، فتعارض عنده الخطأ والصواب من غير ترجيح لم يكن له أن يشير بأحدهما ولا يخيره،


(١) البحر المحيط للزركشي: ٦/ ١٢٠.
(٢) مختصر الروضة: ٣/ ٦٢٣. وراجع شرح عقود رسم المفتي: مجموعة رسائل ابن عابدين: ١/ ٢٢.

<<  <   >  >>