هذه المدرسة تقابل مدرسة أهل الرأي، فأهل الرأي توسعوا في الأخذ بالرأي، وأهل الظاهر غلوا في رفضه وردِّه، وتنسب هذه المدرسة إلى داود ابن علي بن خلف (١) الأصبهاني الأصل، الكوفي المولد، البغدادي الدار، الشهير بداود الظاهري، المولود في سنة ٢٠٠ هـ، أو بعدها بقليل، المتوفى في سنة ٢٧٠ هـ.
وقد تفقه داود على أبي ثور تلميذ الإمام الشافعي، وإسحاق بن راهويه، وهو إمام من أئمة أهل الحديث، وأخذ عن الفقهاء الأعلام في وقته، وكان داود معظما للإمام الشافعي، آخذا بأصوله، ثمَّ اختطَّ لنفسه طريقا، خالف فيه غيره من فقهاء الإسلام، وطريقته تتمثل في الاعتماد على ظاهر النصوص والإجماع، ونفي الأصول الأخرى التي اعتمد عليها غيره من العلماء، كالقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والسبب الذي جعله ينفي القياس هو دعواه أن الأحكام غير معللة، وأن الله شرع ما شرع من أحكام بمحض المشيئة المجردة عن الحكمة والتعليل.
لقد رأى أهل الظاهر ما جناه الرأي على النصوص الشرعية بحيث لذم الرأي على النص في كثير من الأحكام، بسبب إهمال النصوص حفظا وفقها
(١) انظر ترجمته في تاريخ بغداد: ٨/ ٣٦٩ - ٣٧٥ مطبعة السعادة سنة ١٩٣١، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي: ١/ ١٨٢، دار الطباعة المنيرية - مصر، وطبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي: ٢/ ٤٢ - ٤٨، المطبعة الحسينية - المصرية، وتذكرة الحافظ، للذهبي: ٢/ ٥٧٢ - ٥٧٣ - دار إحياء التراث العربي - بيروت - الطبعة الرابعة.