للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يلتفت إلى قول معُاذ ومعاوية في توريث المسلم من الكافر، لصحة الحديث المانع من التوارث بينهما، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس في الصّرف (١)، لصحة الحديث بخلافه، ولا إلى قوله بإباحة لحوم الحُمر كذلك، وهذا كثير جداً.

ولم يكن يقدِّم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياساً ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً، ويقدمونه على الحديث الصحيح.

وقد كذّب أحمد من ادعى هذا الإجماع، ولم يُسِغْ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضاً نصّ في رسالته الجديدة على أن ما لا يعلم فيه خلاف، لا يقال له إجماع، ولفظه: "ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعاً". وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب، من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعلّ الناس اختلفوا ما يدريه، ولم ينته إليه، فليقُل لا نعلم الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المرِّيسي والأصم، ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني ذلك، هذا لفظه.

ونصوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجلُّ عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدِّموا عليها توهُّم إجماع، مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدِّم جهله بالمخالف على النصوص، فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده.

[الأصل الثاني: ما أفتى به الصحابة]

فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدُها إلى غيرها، ولم يقل: إن ذلك إجماع، بل من ورَعه في العبارة يقول: لا أعلم


(١) يعني ما كان يتكلم به في شأن تحريم ربا النسيئة، وإباحة ربا الفضل.

<<  <   >  >>