ومن الخلل الذي وقع فيه متأخرو الحنفية أنهم خلطوا ما أفتى به المتأخرون في كتب الفتاوى والنوازل والواقعات بمسائل ظاهر الرواية من غير تمييز بينها (١).
الطرق التي سلكها علماء كل مذهب في تحقيق المذهب
إحدى المعالم البارزة في الجهود التي بذلها علماء كل مذهب هو توجههم إلى تحقيق مذهب إمامهم، وقد بينا واحداً من الطرق التي تصحح المذاهب بها، وهو معرفة المتقدم والمتأخر من أقوال الإمام في المسألة الواحدة.
وسنذكر في هذا المبحث الخطوات التي اتبعها علماء كل مذهب نحو معرفة الصحيح من مذهب إمامهم:
[١ - التأكد من صحة نسبة الأقوال والروايات لإمام المذهب.]
إذا وجد عن الإمام في المسألة الواحدة أكثر من قول أو أكثر من رواية، فالواجب على العالم الفقيه أن يبحث عن صحة الأقوال والروايات، فإن كثيراً من الأقوال والروايات لا تصح نسبتها إلى الأئمة، وقد قيل: وما آفة الأخبار إلا رواتها.
فإذا وجد الباحث أنه لا تصح نسبة جميع الأقوال أو الروايات في المسألة إلى الإمام فهي روايات باطلة، والإمام في هذه الحال ليس له قول في المسألة، وإن وجد أن بعضها صحيح وبعضها باطل حكمنا بنسبة الصحيح إليه منها دون غيره، يقول الطوفي: "القولان المذكوران إمّا أن يكونا فاسدين أو أحدهما، أو صحيحين، فإن كانا فاسِديْن، أو أحدهما؛ فإمَّا أن يَعلم بالفساد أو لا، فإن علم بفسادهما، فالقولُ بهما حرام، إذ لا قول له في المسألة أصلاً إذ لا يسمع مِن قوله وقول غيره إلا الصحيحُ، دونَ الفاسد،