للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عاشراً: المقلدون مخالفون لمنهج تلامذة الأئمة:

ومما يردُّ به على من زعم وجوب التقليد، أن تلامذة الأئمة لم يكونوا كذلك، فمن المعلوم أنه كان لكلّ إمام من الأئمة أصحاب وتلامذة وأتباع، ولكن لم يأخذ هؤلاء أقوال أئمتهم دينا يتبع، يحرمون خلافه، ويستعظمون الخروج عليه، فقد كان العلماء في ذلك العصر أكرم من ذلك، وفوق ذلك، ويدلك على هذا مسلكهم فى كتبهم ومؤلفاتهم، فالمراد من اختيارهم لمذهب ما هو سلوك طريقة أصول صاحب المذهب في استنباط الأحكام، وسلوك طريقته فى اجتهاد الأحكام دون مسلك غيره.

يقول ابن بدران: "لا يذهب بك الوهم مما قدمنا إلى أنَّ الذين اختاروا مذهب أحمد وقدموه على غيره من الأئمة، وهم من كبار أصحابه، أنهم اختاروا تقليده على غيره في الفروع، فإن مثل هؤلاء يأبى ذلك مسلكهم فى كتبهم ومصنفاتهم، بل المراد باختيار مذهبه إنما هو السلوك على طريقة أصوله في استنباط الأحكام، وإن شئت قل السلوك في طريق الاجتهاد مسلكه دون مسلك غيره، وأمَّا التقليد فى الفروع، فإنَّه يترفع عنه كل من له ذكاء وفطنة وقدرة على تأليف الدليل ومعرفته، وما التقليد إلا للضعفاء الجامدين الذين لا يفرقون بين الغث والسمين" (١).

يدلنا على ذلك أن كثيرا من أتباع الأئمة في عصرهم تركوا مذهب إمامهم في المسائل التى بلغهم فيها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما لم يبلغ أئمتهم، هذا الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة يسأل الإمام مالك عن صدقة الخضروات، فقال مالك: هذه مباقيل أهل المدينة، لم يؤخذ منها صدقة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أبى بكر ولا عمر رضي الله عنهما، يعني وهي تنبت الخضروات، فقال أبو يوسف: قد رجعت يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي "يعني أبا حنيفة" ما رأيت، لرجع كما رجعت (٢).


(١) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: ٤٠.
(٢) صحة أصول أهل المدينة: ٢٥.

<<  <   >  >>