للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٢ - الأصولي المحقق الشاطبي]

وقد عدَّ الشاطبي المقلدة من الذين زلوا بسبب الإعراض عن الدليل، قال: "والرابع (أي من الذين زلوا): رأي المقلدة لمذهب إمام يزعمون أن إمامهم هو الشريعة، بحيث يأنفون أن تنسب إلى أحد فضيلة دون إمامهم، حتى إذا جاءهم من بلغ درجة الاجتهاد وتكلم في المسائل، ولم يرتبط إلى إمامهم رموه بالنكير، وفوقوا إليه سهام النقد، وعدوه من الخارجين عن الجادة، والمفارقين للجماعة، من غير استدلال منهم بدليل، بل بمجرد الاعتياد العامي" (١).

[٣ - سلطان العلماء العز ابن عبد السلام]

يقول عز الدين ابن عبد السلام: "ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلده فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه؛ جمودا على تقليد مذهب إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده.

وقد رأيناهم يجتمعون في المجالس، فإذا ذكر لأحدهم خلاف ما وطن نفسه عليه تعجب غاية العجب من استرواح إلى دليل، بل لما ألفه من تقليد إمامه، حتى ظن أن الحق منحصر في مذهب إمامه أولى من تعجبه من مذهب غيره. فالبحث مع هؤلاء ضائع مفض إلى التقاطع والتدابر من غير فائدة يجنيها، وما رأيت أحدا رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الحق في غيره، بل يصير إليه مع علمه بضعفه وبعده، فالأولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه قال: لعل إمامى وقف على دليل لم أقف عليه، ولم أهتد إليه، ولم يعلم المسكين أن هذا مقابل بمثله، ويفضل لخصمه ما ذكره من الدليل الواضح والبرهان اللائح، فسبحان الله ما


(١) الاعتصام للشاطبي: ٢/ ٣٤٨.

<<  <   >  >>