للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإمام الشافعي يقدم قول الصحابي على القياس، وإذا قال الصحابي قولا لم يخالفه فيه غيره لم يعدوه، وإذا اختلفوا تخير من أقوالهم، "وقد قال في مذهبه الجديد في كتاب الفرائض في ميراث الجدّ والأخوة: وهذا مذهب تلقيناه عن زيد بن ثابت، وعنه أخذنا أكثر الفرائض، وقال: القياس عندي قتل الراهب لولا ما جاء عن أبي بكر رضي الله عنه، فترك صريح القياس لقول الصديق، وقال في رواية الربيع عنه: والبدعة ما خالف كتابا أو سنة أو أثر بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل ما خالف الصحابي بدعة" (١).

والقياس عند الشافعي يعمل به للضرورة، فهو عنده كأكل الميتة لا يجوز تناولها وهو يجد سعة في غيرها، يقول ابن حجر العسقلاني: "والحاصل أن المصير إلى الرأي يكون عند فقد النص، وإلى هذا يومئ قول الشافعي فيما أخرجه البيهقي بسند صحيح إلى أحمد بن حنبل: سمعت الشافعي يقول: "القياس عند الضرورة" (٢).

ويقول الشافعي في كتابه الرسالة: "ونحكم بالإجماع، ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة؛ لأنه لا يحل القياس والخبر موجود، كما يكون التيمم طهارة في السفر عند الإعواز من الماء، ولا يكون طهارة إذا وجد الماء، إنما يكون طهارة عند الإعواز" (٣).

[المطلب السادس: انتشار مذهبه وناشروه من تلامذته]

دون الشافعي أصول مذهبه وفقهه في حياته، وكان له تلامذة بررة أذاعوه وقاموا عليه ودونوه، يقول ابن خلدون: "وأمّا مقلدة الشافعي فمقلدوه بمصر أكثر مما في سواها، وقد انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر،


(١) إعلام الموقعين: ١/ ٨٥.
(٢) فتح الباري: ١٣/ ٢٩١، إعلام الموقعين: ١/ ٧٠.
(٣) الرسالة: ٥٩٩.

<<  <   >  >>