للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[كيف ينسب العلماء إلى مذهب إمام من الأئمة إذا خالفوه فيما ذهب إليه]

قد يقال: إن انتساب العلماء إلى مذهب إمام من الأئمة يقضي بالتزام مذهبه فيما ذهب إليه، فإن خالفوه فإن مقتضى المخالفة عدم جواز صحة الانتساب إلى ذلك الإمام.

وقد أجاب على هذا الإشكال كثير من أهل العلم، منهم ابن بدران، وفي ذلك يقول: "لا يذهب بك الوهم مما قدمنا إلى أنَّ الذين اختاروا مذهب أحمد وقدموه على غيره من الأئمة، وهم من كبار أصحابه، أنهم اختاروا تقليده على غيره في الفروع، فإن مثل هؤلاء يأبى ذلك مسلكهم فى كتبهم ومصنفاتهم، بل المراد باختيار مذهبه إنما هو السلوك على طريقة أصوله في استنباط الأحكام، وإن شئت قل السلوك في طريق الاجتهاد مسلكه دون مسلك غيره، وأمَّا التقليد فى الفروع، فإنَّه يترفع عنه كل من له ذكاء وفطنة وقدرة على تأليف الدليل ومعرفته، وما التقليد إلا للضعفاء الجامدين الذين لا يفرقون بين الغث والسمين" (١).

وما ذكره ابن بدران فيما نقلناه عنه ليس صحيحاً على إطلاقه فإن من مجتهدي المذهب من خالف إمامه في أصوله التي بنى استدلاله عليها.

يقول ابن عابدين: "المسائل التي قال بها أبو يوسف ونحوه من أصحاب الإمام كثير منها مبني على قواعد لهم خالفوا فيها قواعد الإمام، لأنهم لم يلتزموا قواعده كلها، كما يعرفه من له معرفة بكتب الأصول" (٢).

بل إن كثيراً من الأصول الثانوية المنسوبة إلى كل إمام من الأئمة لم يُنَصَّ


(١) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: ٤٠.
(٢) شرح عقود رسم المفتي: ١/ ٢٥.

<<  <   >  >>