للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا العصر كاد أن ينقرض أتباعه في البلاد السورية، يقول ابن بدران الدمشقي المتوفى سنة ١٣٤٦ هـ: "ولا أرى أحدا يسألني عن مسألة في مذهب الإمام أحمد، لانقراض أهله في بلادنا، وتقلص ظله فيها" (١).

أقول: وفي بلادنا فلسطين بقية من الحنابلة في مدينة نابلس وما جاورها، وقد انتشر المذهب في بلاد نجد بعد أن قام الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تلك الديار، وأحيا عقيدة السلف الصالح، التي كان الإمام أحمد عليها، وتابع أهلُ نجد مذهب أحمد، ونشر علماء نجد كتبه، ومدت الدولة يدها بسخاء لإحياء كتب الحنابلة، وخاصة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

وأشهر تلامذته الذين نشروا مذهب الإمام أحمد ابناه: صالح وعبد الله، وأحمد بن محمد بن هانئ، وأبو بكر الأثرم، وعبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني، صحب أحمد أكثر من عشرين سنة، وأحمد بن محمد أبو بكر المروزي، وإبراهيم بن إسحاق الحربي.

[المطلب الثامن: السبب في قلة أتباع مذهب أحمد]

أغلب العلماء الذين اتبعوا أحمد ساروا سيرته في البعد عن الدنيا، ومجافاة السلاطين، وأخذ أنفسهم بالتعبد، والإقلال من التدريس، فقلل هذا من انتشار المذهب، لعدم وصول أتباعه إلى المناصب، والمراكز العلمية التي تجعل الناس يقبلون على المذهب، يقول أبو الوفاء علي بن عقيل أحد فقهاء المذهب الحنبلي: "هذا المذهب: يعني مذهب أحمد، إنما ظلمه أصحابه؛ لأنَّ أصحاب أبي حنيفة والشافعي إذا برع أحد منهم في العلم تولى القضاء وغيره من الولايات، فكانت الولاية سبباً لتدريسه واشتغاله بالعلم، فأما أصحاب أحمد فإنّه قل فيهم من يعلم بطرف من العلم إلا ويخرجه ذلك إلى التعبد


(١) المدخل إلى مذهب أحمد: ٢١٣.

<<  <   >  >>