للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن من علم الله، ومن زعم أنَّ علم الله مخلوق، فهو كافر" (١).

والمسائل التي حدد فيها الإمام صحيح مذهبه قليلة جدًّا بجانب ما لم ينص عليه من الأقوال والروايات من المسائل.

ولذا فإن معرفة المتقدم والمتأخر من مذاهب الأئمة غير الشافعي فيها صعوبة، وقد تبلغ هذه الصعوبة درجة الاستحالة أحياناً، يقول الطوفي مبيناً صعوبة تصحيح مذهب الإمام أحمد بسبب تعدد الروايات وكثرتها في مذهبه: "حوى كتاب (زاد المسافر) لأبي بكر، و (الجامع الكبير للخلال) علماً جماً من علم الإمام أحمد رضي الله عنه من غير أن يُعلم منه في آخر حياته الإخبار بصحيح مذهبه في تلك الفروع، غير أن الخلال يقول في بعض المسائل: هذا قولٌ قديمٌ لأحمد رجع عنه، لكن ذلك يسيرٌ بالنسبة إلى ما لم يُعْلمْ حاله منها.

ونحن لا يصحُّ لنا أن نجْزمَ بمذهب إمام حَتَّى نعلم أنه آخرُ ما دوَّنه من تصانيفه ومات عنه، أو أنه نصَّ عليه ساعة موته، ولا سبيل لنا إلى ذلك في مذهب أحمد، والتصحيحُ الذي فيه، إنما هو من اجتهاد أصحابه بَعْدَهُ، كابن حامد، والقاضي وأصحابه، ومن المتأخرين الشيخ أبو محمد المقدسي رحمة الله عليهم أجمعين، لكن هؤلاء بالغين ما بلغوا، لا يحصل الوثوقُ من تصحيحهم لمذهب أحمد، كما يَحْصُلُ من تصحيحه هو لمذهبه قطعاً، فمن فرضناه جاء بعد هؤلاء، وبلغ من العلم درجَتهم أو قاربهم، جاز له أن يتصرَّفَ في الأقوال المنقولة عن صاحب المذهب كتصرُّفهم، ويُصَحِّح منها ما أدَّى اجتهادُه إليه، وافقهم أو خالفهم، وعمل بذلك وأفتى، وفي عصرنا مِن هذا القبيل شيخُنا الإمامُ العالمُ العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني" (٢).


(١) شرح مختصر الروضة: ٣/ ٦٢٤.
(٢) شرح مختصر الروضة: ٣/ ٦٢٧.

<<  <   >  >>