للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عارضوا بين كثير من النصوص والقياس، ثم اضطربوا، فتارة يقدمون القياس، وتارة يقدمون النصوص، وتارة يفرقون بين النص المشهور وغير المشهور، واضطرهم ذلك أيضا إلى أن اعتقدوا في كثير من الأحكام أنها شرعت على خلاف القياس" (١).

أمَّا مدرسة أهل الحديث فقد توسطت بين المدرستين السابقتين، ذلك أنها وارثة علم الصحابة والتابعين، فقد أخذت من كل مدرسة محاسنها، وتجنبت مساوئها، فقد عنيت بما عُني به أهل الظاهر، لقد عنيت بالنصوص عناية كبيرة، وشغلت بغربلة الأحاديث والتعرف على الصحيح والضعيف، واجتهدت في فقه النصوص، واستنباط الأحكام منها، وتطبيق هذه النصوص على الوقائع، وأحسنت فيما أحسن فيه أهل الرأي؛ إذ لم يقفوا عند ظاهر النص، فنظروا في منطوق النصِّ ومفهومه، كما نظروا في إشارته وإيمائه، ولم يهملوا علل الأحكام، ولكنهم لم يتعدوا النصوص إلى الرأي إلا عند الاضطرار، حيث لا يجدون نصا بعد الطلب والتحري.

يقول الشافعي رحمه الله تعالى: "ونحكم بالإجماع، ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة؛ لأنه لا يحلُّ القياس والخبر موجود، كما يكون التيمم طهارة في السفر عند الأعواز من الماء، ولا يكون طهارة إذا وجد الماء، إنما يكون طهارة عند الإعواز" (٢)، وقد روى الإمام أحمد عن الشافعي قوله: "القياس عند الضرورة" (٣).

انحراف المسار عند بعض أهل الحديث.

استمر أهل الحديث باتباع منهج الرعيل الأول، الذين اختطوا لهم ذلك المنهج الذي يسيرون عليه، ولكنَّ بعض المنتسبين لهذه المدرسة انحرفوا عن


(١) إعلام الموقعين: ١/ ٣٩.
(٢) الرسالة للشافعي: ٥٩٩.
(٣) فتح الباري: ١٣/ ٢٩١، إعلام الموقعين: ١/ ٢٣، ٢٧.

<<  <   >  >>