للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسار السوي، وشغلوا أنفسهم بأمور لم يلتفت لها الرواد الأعلام من هذه المدرسة، يقول الخطابي، وهو من أهل هذه المدرسة -مبيناً حال كثير من أهل الحديث في عصره-: "إن الأكثرين من أهل الحديث إنما وَكْدهم الروايات وجمع الطرق، وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب، لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني، ولا يستنبطون سيرها، ولا يستخرجون ركازها وفقهها، وربما عابوا الفقهاء، وتناولوهم بالطعن، وادعوا عليهم مخالفة السنن" (١).

وقال ابن عبد البر، يصف حال أهل الحديث في عصره: "فطائفة تروي الحديث وتسمعه، فقد رضيت بالدؤوب في جمع ما لا تفهم، وقنعت بالجهل في حمل ما لا تعلم، فجمعوا بين الغث والسمين، والصحيح والسقيم، والحق والكذب في كتاب واحد، وربما في ورقة واحدة، ويدينون بالشيء وضده، ولا يعرفون ما في ذلك عليهم، قد شغلوا أنفسهم بالاستكثار عن التدبر والاعتبار، فألسنتهم تروي العلم، وقلوبهم قد خلت من الفهم، غاية أحدهم معرفة الكتب الغريبة، والاسم الغريب، وتجده قد جهل ما لا يكاد يسع أحدا جهله من علم صلاته وحجه وصيامه وزكاته (٢) ".

وممن بيَّن حال أهل الحديث في عصره مؤرخ الإسلام الذهبي، وهو من أهل هذه المدرسة، ولكن انحراف المسار ببعض أهل الحديث يوجب البيان والنصح، قال الذهبي رحمه الله تعالى متوجعا مما صار إليه كثير من أهل الحديث في عصره:

"غالب المحدثين لا يفقهون، ولا همة لهم في معرفة الحديث، ولا في التدين به، بل الصحيح والموضوع عندهم بنسبة، إنما همتهم في السماع على جهلة الشيوخ، وتكثير العدد من الأجزاء والرواة، لا يتأدبون بآداب الحديث، ولا يستفيقون من سكرة السماع، الآن يسمع الجزء ونفسه تحدثه: متى يرويه


(١) معالم السنن: ١/ ٦.
(٢) جامع بيان العلم: ١/ ٢٠٨.

<<  <   >  >>