للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم، فيكذبوا عليهم" (١).

ومراده بذلك أنهم تبرؤوا من كل قول يخالف الحديث، وأشهدوا على أنهم راجعون عن ذلك في حياتهم وبعد مماتهم، فعزو هذه الأقوال إليهم من هذه الناحية لا يجوز، قال النووي: "وكان جماعة من متقدمي أصحابنا، إذا رأوا مسألة فيها حديث ومذهب الشافعى خلافه، عملوا بالحديث، وأفتوا به قائلين: مذهب الشافعى ما وافق الحديث" (٢).

ومن هنا نعلم أن الذين ساروا مقلدين لأئمتهم في كل ما ثبت عنهم من غير معرفة ولا نظر في أدلتهم كانوا مخالفين لأئمتهم، ومثل هؤلاء لم يسيروا على المنهج الذي دلَّ الأئمة أتباعهم عليه، وفي ذلك يقول الفقيه الشافعي أبو شامة:

"الذين يظهرون التعصب لأقوال الشافعي (بل المتعصب لأقوال أي إمام) كيفما كانت، وإن جاءَت سنة بخلافها ليسوا متعصبين في الحقيقة؛ لأنهم لم يمتثلوا ما أمر به إمامهم، بل رأيهم وديدنهم، إذا ورد عليهم الحديث الصحيح الذي هو مذهب إمامهم، والذي لو وقف عليه لقال به أن يحتالوا فى دفعه بما لا ينفعهم، لما نقل لهم عن إمامهم من قول قد أمر بتركه عند وجدان ما يخالفه من السنة، هذا مع كونهم عاصين بذلك لمخالفتهم ظاهر كتاب الله وسنة رسوله، والعجب أن منهم من يستجيز مخالفة نص الشافعي لنص له آخر في مسألة أخرى بخلافه، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أذن لهم الشافعي في هذا" (٣).

قال ابن عابدين: "نقل العلامة البيري في أول شرحه على الأشباه عن شرح الهداية لابن الشحنة الكبير والد شارح الوهبانية، وشيخ ابن الهمام، ونصه: "إذا صح الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث، ويكون


(١) إيقاظ الهمم: ٩٩.
(٢) المجموع: ١/ ٦٤.
(٣) مختصر كتاب المؤمل، مجموعة الرسائل المنبرية: ٣/ ٣٢.

<<  <   >  >>