للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البادية، وأخذ العلوم والمعارف عن أهل الحضر، حتى سما عن كل عالم قبله وبعده، نبغ في الحجاز، وكان إلى علمائه مرجع الرواية والسنة، وكانوا أساطين العلم في فقه القرآن، ولم يكن الكثير منهم أهل لسن وجدل، وكادوا يعجزون عن مناظرة أهل الرأي، فجاء هذا الشاب يناظر وينافح، ويعرف كيف يقوم بحجته، وكيف يلزم أهل الرأي وجوب اتباع السنة، وكيف يُثبت لهم الحجة في خبر الواحد، وكيف يفصل للناس طرق فهم الكتاب على ما عرف من بيان العرب وفصاحتهم، وكيف يدلهم على الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة، وعلى الجمع بين ما ظاهره التعارض فيهما أو في أحدهما" (١).

ظهرت علامات النبوغ على الشافعي صغيرا، فقد كان الشافعي أول أمره فقيرًا، فلما سلموه إلى المعلم، ما كانوا يجدون أجرة المعلم، فكان المعلم يقصِّر في التعليم، إلا أن المعلم كما علم صبيا شيئا كان الشافعي يتلقف ذلك الكلام، ثمَّ لما قام المعلم عن مكانه أخذ الشافعي يعلم الصبيان تلك الأشياء، فنظر المعلم، فرأى الشافعي يكفيه أمر الصبيان أكثر من الأجرة التي كان يطلب منه، فترك طلب الأجرة، واستمرَّ على هذه الأحوال، حتى تعلم القرآن لتسع سنين (٢).

ولما ختم الشافعي القرآن دخل المسجد الحرام، وأخذ يجالس العلماء ويحفظ الحديث (٣)، وقد حفظ موطأ مالك وهو ابن عشر سنين، وأفتى وهو ابن خمس عشرة، وقيل: ابن ثماني عشرة، وقد أذن له شيخه مسلم بن خالد في الإفتاء في ذلك السن المبكر (٤).


(١) الرسالة، للشافعي، بتحقيق أحمد محمد شاكر: ص ٥.
(٢) الإكمال، للخطيب التبريزي، انظر المشكاة: ٣/ ٧٩٢.
(٣) المصدر السابق: ٣/ ٧٩٣.
(٤) البداية والنهاية: ١٠/ ٢٥٢.

<<  <   >  >>