وقد نقل إلينا أصحاب الإمام أبي حنيفة فقهه، وقام بتدوين ذلك الفقه مدون كتب المذهب محمد بن الحسن الشيباني، فالمدونات الأولى كلها من وضعه وتأليفه، سواء مما رواه بنفسه عن أبي حنيفة أو مما رواه عن أبي يوسف، وقد كان أحيانًا يضع المؤلف، ثمَّ يقوم بعرضه على أبي يوسف.
ونلحظ أن كتب المذهب الأولى التي وضعها محمد بن الحسن لم تجعل المذهب قصرا على قول أبي حنيفة، بل أشركت معه عددًا من أصحابه، وضعت أقوالهم بجانب قوله، فالمذهب في تلك الفترة مجموع تلك الأقوال.
وقد قسَّم علماء الحنفية المسائل الفقهية التي رويت عن أبي حنيفة وأصحابه إلى قسمين: القسم الأول أطلقوا عليه مسائل الأصول، والقسم الثاني: أطلقوا عليه مسائل النوادر.
فمسائل الأصول، وتسمى عندهم أيضاً بظاهر الرواية، هي المسائل التي رويت عن أصحاب المذهب، وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وقد يلحق بهم زفر والحسن بن زياد وغيرهما ممن أخذ عن الإمام، لكنَّ الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة أو قول بعضهم.
وكتب ظاهر الرواية المسماه بالأصول ستة كتب ألفها جميعًا محمد بن الحسن، وهي: المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير، والسير الصغير، والجامع الكبير، والسير الكبير.
وسميت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد برواية الثقات، فهي ثابتة عنه إمّا متواترة، أو مشهورة عنه (١).
وإذا أطلق علماء الحنفية الأصل فإنهم يريدون به كتاب المبسوط لمحمد، سمي بذلك لأنه أول مؤلفاته من كتب ظاهر الرواية الست، ثم صنف بعده
(١) حاشية ابن عابدين: ١/ ٦٩، وشرح المنظومة المسماة: بعقود رسم المفتي. المنظومة والشرح لابن عابدين: ١/ ١٦، مجموع رسائل ابن عابدين.