قُلْت: الْكُوفَةُ - وَكَانَتْ تُسَمَّى أَحَدَ الْعِرَاقَيْنِ، وَالْآخَرُ الْبَصْرَةُ - مَدِينَةٌ أَسَّسَهَا الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ فَتْحِ الْعِرَاقِ أَسَّسَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ سَنَةَ ١٧ لِلْهِجْرَةِ، فَكَانَ يُعَيَّنُ لَهَا وَالٍ مِنْ قِبَلِ الْخَلِيفَةِ بِالْمَدِينَة ِ، وَكَانَ الْعَرَبُ أَقَامُوهَا عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ الْحِيرَةِ عَاصِمَةِ الْمَنَاذِرَةِ، فَقَضَتْ عَلَى الْحِيرَةِ، وَلَمَّا تَوَلَّى الْخِلَافَةَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ اتَّخَذَ الْكُوفَةَ عَاصِمَةً لَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ دُفِنَ بِظَاهِرِهَا فِي مَوْضِعٍ يُدْعَى النَّجَفَ، وَظَلَّتْ الْكُوفَةُ رَدْحًا مِنْ الزَّمَنِ تُنَافِسُ الْبَصْرَةَ، وَخَرَجَ فِيهِمَا مَدْرَسَتَا النَّحْوِ: الْكُوفِيَّةُ وَالْبَصْرِيَّةُ، وَلَمَّا تَقَدَّمَتْ بَغْدَادُ أَخَذَ كُلٌّ مِنْ النَّجَفِ وَالْبَصْرَةِ تَفْقِدُ مَكَانَتَهَا، ثُمَّ اتَّخَذَ الشِّيعَةُ النَّجَفَ مَزَارًا فَتَكَوَّنَتْ بِهِ مَدِينَةُ «النَّجَفِ الْأَشْرَفِ». كَمَا يُسَمِّيهَا الْعِرَاقِيُّونَ، فَقَضَتْ عَلَى آخِرِ الْكُوفَةِ، وَتُوجَدُ آثَارُهَا بِظَاهِرِ النَّجَفِ قُرْبَ الْتِقَاءِ خَطَّيْ: ٣٢ عَرْضًا و٢٥ و٤٤ طُولًا وَكِلَاهُمَا عَلَى الضَّفَّةِ الْغَرْبِيَّةِ لِنَهْرِ الْفُرَاتِ، وَمَا زَالَ بَعْضُهَا مَغْمُورًا.
وَنَشَرَ الْأُسْتَاذُ حَسَنٌ الدُّجَيْلِيّ بَحْثًا فِي «مَجَلَّةِ الْفَيْصَلِ السُّعُودِيَّةِ» عَدَدُ ٥٦، جَاءَ فِيهِ:
تَقَعُ الْكُوفَةُ عَلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ، وَعَلَى مَسَافَةِ ثَمَانِيَةِ كِيلُو مِتْرَاتٍ مِنْ مَدِينَةِ النَّجَفِ، و١٥٦ كِيلُو مِتْرًا مِنْ بَغْدَادَ، وَسِتِّينَ كِيلُو مِتْرًا جَنُوبِيَّ مَدِينَةِ كَرْبَلَاءَ. وَأَرْضُهَا سَهْلَةٌ عَالِيَةٌ، تَرْتَفِعُ عَنْ سَطْحِ الْبَحْرِ ب٢٢ مِتْرًا، وَشَاطِئُهَا الْغَرْبِيُّ أَعْلَى مِنْ الشَّرْقِيِّ بِسِتَّةِ أَمْتَارٍ تَقْرِيبًا، مِمَّا يَجْعَلُهَا فِي مَأْمَنٍ مِنْ الْفَيَضَانَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَكُلَّمَا سِرْنَا غَرْبًا ارْتَفَعَتْ الْأَرْضُ عَنْ سَطْحِ الْبَحْرِ تَدْرِيجِيًّا لِتَصِلَ إلَى سِتِّينَ مِتْرًا وَنِصْفِ الْمِتْرِ. ثُمَّ تَنْحَدِرُ انْحِدَارًا شَدِيدًا نَحْوَ الْجَنُوبِ الْغَرْبِيِّ لِتَمْتَدَّ إلَى بُحَيْرَةٍ مَالِحَةٍ ضَحْلَةٍ عُرِفَتْ بِبَحْرِ النَّجَفِ غَرْبًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute