للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَرَجَتْ الْهِجْرَاتُ الْعَرَبِيَّةُ الَّتِي عَمَّرَتْ مَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ بِالْعَالَمِ الْعَرَبِيِّ، وَظَلَّ الْيَمَنُ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ يَتَوَحَّدُ وَيَتَفَرَّقُ، وَهُوَ مُكَوَّنٌ فِي عَهْدِنَا هَذَا مِنْ دَوْلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الْيَمَنُ الشَّمَالِيُّ، وَعَاصِمَتُهُ صَنْعَاءُ، وَالْيَمَنُ الْجَنُوبِيُّ، وَعَاصِمَتُهُ عَدَنٌ، وَكِلَاهُمَا قَدْ مَرَّ فِي هَذَا الْمُعْجَمِ. وَالْعَرَبُ مِنْ قَدِيمٍ تُطْلِقُ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ جَنُوبٌ يَمَنًا، وَعَلَى مَا هُوَ شَمَالٌ، شَامًا، خَاصَّةً فِي الْحِجَازِ، فَهُمْ يَعْتَبِرُونَ كُلَّ مَا هُوَ جَنُوبَ مَكَّةَ يَمَنًا، بَلْ إنَّ الْمَحَاكِمَ بِمَكَّةَ تَقُولُ: (يَحُدُّ مُلْكَ فُلَانٍ يَمَنًا كَذَا، وَشَامًا كَذَا). وَلِذَا قَالَ هُبَيْرَةُ الْمَخْزُومِيُّ:

سُقْنَا كِنَانَةَ مِنْ أَطْرَافِ ذِي يَمَنٍ

عَرْضَ الْبِلَادِ عَلَى مَا كَانَ يُزْجِيهَا

قَالَتْ كِنَانَةُ: أَنَّى تَذْهَبُونَ بِنَا؟

قُلْنَا: النَّخِيلُ، فَأَمُّوهَا وَمَنْ فِيهَا

النَّخِيلُ: قَرْيَةٌ عَامِرَةٌ عَلَى وَادٍ بِهَذَا الِاسْمِ شَمَالَ بَلْدَةِ الْحِنَاكِيَّةِ، وَالْحِنَاكِيَّةُ: عَلَى مِائَةِ كَيْلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْقَصِيمِ. اُنْظُرْ عَنْهَا - إنْ شِئْت - كِتَابِي «الرِّحْلَةُ النَّجْدِيَّةُ». أَمَّا الْيَمَنُ - جُغْرَافِيًّا - فَهُوَ مَا حَدَّدْنَاهُ، آنِفًا.

يَنْبُعُ مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ وَنُونٌ وَمُوَحَّدَةٌ، وَآخِرُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ: جَاءَ فِي غَزَاةِ ذِي الْعُشَيْرَةِ.

قُلْت: إذَا ذُكِرَ هَذَا الِاسْمُ فِي السِّيرَةِ أَوْ أَيِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَّا عَلَى وَادِي يَنْبُعَ النَّخْلِ، وَهُوَ وَادٍ فَحْلٌ كَثِيرُ الْعُيُونِ وَالْقُرَى وَالنَّخِيلِ، الَّتِي أُخِذَ اسْمُهُ مِنْهَا، يَتَعَلَّقُ رَأْسُهُ عِنْدَ بُوَاطَ عَلَى قُرَابَةِ (٧٠) كَيْلًا مِنْ الْمَدِينَةِ غَرْبًا، ثُمَّ يَنْحَدِرُ بَيْنَ سِلْسِلَتَيْنِ مِنْ الْجِبَالِ

<<  <   >  >>