فَانْهَزَمُوا فَدَخَلَ حِمَاسٌ عَلَى امْرَأَتِهِ، يَقُولُ: هَلْ مِنْ مَخَشٍّ؟ فَقَالَتْ: أَيْنَ الْخَادِمُ أَوْ أَيْنَ مَا وَعَدْتنِي؟ فَأَسْمَعَهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ شِعْرٍ. وَالْخَنْدَمَةُ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَ: الْخَنَادِمُ - جَمْعٌ - هِيَ جِبَالُ مَكَّةَ الشَّرْقِيَّةُ، تَبْدَأُ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ شَرْقًا وَشَمَالًا، فِي سُفُوحِهَا الْغَرْبِيَّةِ وَالشَّمَالِيَّةِ أَحْيَاءٌ كَثِيرَةٌ مِنْ مَكَّةَ، مِثْلَ: شِعْبِ ابْنِ عَامِرٍ، وَالْمَلَاوِي، وَالْمَعَابِدَةِ، وَالرَّوْضَةِ. ثُمَّ تَمْتَدُّ شَرْقًا حَتَّى تَفِيءَ عَلَى حَيِّ الْعَزِيزِيَّةِ، وَآخِرُهَا هُنَاكَ جَبَلُ (الْخَيْطِ) وَكَانَ آخِرُهَا مِنْ الشَّمَالِ الشَّرْقِيِّ يُسَمَّى «ثَبِيرَ الْخَضْرَاءِ».
أَمَّا سُوقُهَا وَقُرْيَانُهَا فَشِعَابٌ وَقِمَمٌ ذَاتُ مَجَاهِلَ وَأَوْعَارٍ لَا تَكَادُ تُوطَأُ، وَأَهْلُ مَكَّةَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَقْنُونَ الْأَغْنَامَ فَيَسْرَحُونَهَا تُسِيمُ هُنَاكَ، وَيَسْرَحُ مَعَهَا رِعَاءٌ كَرِعَاءِ الْبَادِيَةِ، كَانَ عِلْمِي بِهَذَا قَبْلَ سِنِينَ. وَقَدْ شُقَّتْ الْيَوْمَ أَنْفَاقٌ عَبْرَ جِبَالِ الْخَنَادِمِ، تَدْخُلُ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَخْرُجُ عِنْدَ (مَحْبِسِ الْجِنِّ) بِطَرَفِ الْعَزِيزِيَّةِ الْغَرْبِيِّ، أَوْ مَا كَانَ يُسَمَّى حَوْضَ الْبَقَرِ. أَمَّا قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ بِأَنَّ خَيْلَ خَالِدٍ هَزَمَتْ أَهْلَ الْخَنْدَمَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ، ذَلِكَ أَنَّ خَالِدًا دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَالْخَنَادِمُ فِي أَعْلَاهَا، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا؟ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الرُّوَاةَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ - لِكَثْرَةِ انْتِصَارَاتِ خَالِدٍ - أَلْصَقُوا هَذَا الْأَمْرَ بِهِ، وَلَيْسَ يَصِحُّ هَذَا إلَّا إذَا كَانَتْ خَيْلُ خَالِدٍ تَجَاوَزَتْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ الْقَائِدُ الْأَعْلَى - رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُقْطَةَ الْتِقَاءٍ لِجُيُوشِهِ، وَهَذَا بَعِيدُ الِاحْتِمَالِ.
الْخَوَانِقُ كَجَمْعِ خَانِقٍ: ذُكِرَتْ فِي حَلْيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute