وَكَانَتْ دِيَارُ كِنَانَةَ تَمْتَدُّ مِنْ بَيْضٍ وَعِتْوَدٍ جَنُوبًا إلَى رَضْوَى وَيَنْبُعَ شَمَالًا، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الشِّعْرُ لِرَجُلِ مِنْ كِنَانَةَ، لَا لِرَجُلِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَخُزَاعَةُ كَانَتْ أَذَلَّ مِنْ أَنْ تَحْمِيَ هَذِهِ الْمِسَاحَةَ الَّتِي تُقَدَّرُ بِأَلْفِ كَيْلٍ عَلَى امْتِدَادِ سَاحِلِ الْحِجَازِ، لِأَنَّ دِيَارَ خُزَاعَةَ تَبْدَأُ مِنْ غَرْبِيِّ مَكَّةَ إلَى الْجَنُوبِ مُمْتَدَّةً شَمَالًا عَلَى عُسْفَانَ وَثَمَّ جُزْءٌ مِنْ أَمَجَ فَقُدَيْدٌ، ثُمَّ جُزْءٌ مِنْهَا قُرْبَ الْفُرْعِ، وَهِيَ مُجَزَّأَةٌ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ، فِي مَسَافَةٍ طُولُهَا قَرَابَةُ (٣٠٠) كَيْلٍ وَشَرِيطٍ ضَيِّقٍ فِي الْعَرْضِ يَدْخُلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ضِمْنَ دِيَارِ كِنَانَةَ وَلَعَلَّ قَوْلَ بُدَيْلٍ هَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ فِي لَامِيَّتِهِ:
(لَنَا الدُّنْيَا وَمَنْ أَضْحَى عَلَيْهَا)
! فَإِذَا كَانَتْ الدُّنْيَا كُلُّهَا وَمَنْ عَلَيْهَا لِبَنِي تَغْلِبَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَحْمِيَ خُزَاعَةُ أَرْضًا لَا تَحِلُّهَا وَلَا تَمْلِكُ مِنْهَا شِبْرًا.
التَّنَاضِبُ جَمْعُ قِلَّةٍ لِلتَّنَضُّبِ الشَّجَرُ الْمَعْرُوفُ: جَاءَتْ فِي قِصَّةِ هِجْرَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَيْثُ قَالَ: اتَّعَدْت، لَمَّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ، أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ التَّنَاضِبَ، مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ فَوْقَ سَرِفٍ،
قُلْت: التَّنَاضِبُ وَأَضَاةُ بَنِي غِفَارٍ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ، الْأَضَاةُ أَرْضٌ تُمْسِكُ الْمَاءَ فَيَتَكَوَّنُ فِيهَا الطِّينُ، وَالتَّنَاضِبُ شَجَرَاتٌ فِي هَذِهِ الْأَضَاةِ، وَهِيَ لَا زَالَتْ مُشَاهَدَةً عَلَى جَانِبِ وَادِي سَرِفٍ الشَّمَالِيِّ، إلَى جِوَارِ قَبْرِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةَ، وَقَدْ صَارَتْ التَّنَاضِبُ وَالْأَضَاةُ أَرْضًا زِرَاعِيَّةً لِأُنَاسِ مِنْ لَحْيَانَ، وَكُلَّمَا قُطِعَ شَجَرُ التَّنَضُّبِ عَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute