للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق ويروى بما تكلفه (من مقاساة الخلق) أي مكابدتهم (وسياسة الأمّة) أي محافظتهم ويروى وسياسات الأمة (ومعاناة الأهل) من عانه قاساه أي ملاحظة أحوالهم ومراعاة أفعالهم رفقا بهم وعونا لهم (وملاحظة الأعداء) أي مراقبتهم ومحاذرتهم وهذا كله من حيث هو مما يشغل القلب عن تجرده للرب ويوجب فتورا يقتضي في الجملة قصورا (ولكن ليس) صدور ذلك وظهور ما هنالك (على سبيل التّكرار) أي المفضي إلى حال الاكثار (ولا الاتصال) أي ولا على سبيل الاتصال في مقام الانفصال (بل على سبيل النّدور) أي القلة في الانتقال عن مشاهدة جمال ذي الجلال على وجه الكمال (كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم إنّه) أي الشأن (ليغان على قلبي) بصيغة المفعول والمعنى قد يحجب قلبي عن مشاهدة ربي بالاشتغال بأمره والانتقال إلى إمضاء حكمه (فأستغفر الله) أي في اليوم سبعين مرة أو مائة مرة وهذا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين الأحرار بل كان في كل وقت وحالة مترقبا إلى مقام ومرتبة بعد الحال الأولى بالنسبة إلى المرتبة الثانية العليا والمنزلة الأولى سيئة ومنقصة يحتاج فيها إلى الأوبة وطلب المغفرة مما فيه صورة الحوبة كما يشير إليه قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (وليس في هذا) أي فيما ذكر (شيء يحطّ) أي يصنع (من رتبته ويناقض معجزته) أي يعارض من كرامته (وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى مَنْعِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَالْغَفَلَاتِ والفترات في حقّه عليه الصلاة والسلام جملة) أي من غير استثناء حالة (وهو مذهب جماعة المتصوّفة) أي متكلفي طريق التصوف ومنتحلي سبيل التعرف (وأصحاب علم القلوب) بالحالات السنية الجليلة (والمقامات) البهية العلية ويمكن الجمع بين كلام المثبتين للسهو والنافين للغلط واللهو أن ما وقع من أفعاله عليه الصلاة والسلام في صورة الغفلات وهيئة الفترات ليست على حقيقتها المترتب عليها نقصان مرتبة من الحالات أو قصور في رتبة علو المقامات فإن سيئات أرباب السعادة حسنات وحسنات أرباب الشقاوة سيئات كما أشار إليه بعضهم بقوله:

من لم يكن للوصال أهلا ... فكل طاعاته ذنوب

والحاصل أن ضعف بنية البشرية لا يقوى على مداومة تجليات الإلهية فتارة يكون في حالة الصحو وأخرى في حالة المحو وكذا تختلف المقامات بتفاوت غلبة الفناء ورجعة البقاء حتى يترتب عليه السكر والشكر والفكر والذكر والترقي والتدلي مع أن مقام جمع الجمع يقتضي أن لا تمنع الكثرة عن الوحدة ولا الوحدة عن الكثرة فلا يتصور في حق الكمل منهم صدور الغفلة بالمرة فإن اتباعهم ببركة اتباعهم وصلوا إلى حد لو أرادوا أن يتركوا طاعة أو يغفلوا ساعة لم يقدروا على ذلك عكس حال أرباب الدنيا واصحاب الحجاب عن المولى فسبحان من أقام العباد فيما أراد وقد علم كل اناس مشربهم وعرف كل حزب مذهبهم (ولهم في هذه الأحاديث) أي الواردة في باب السهو (مذاهب نذكرها) وفي نسخة سنذكرها (بعد هذا) أي من غير تراخ في الفصل الذي يليه (إن شاء الله تعالى) .

<<  <  ج: ص:  >  >>