فَتَنَّاهُ [ص: ٢٤] ) أي ابتليناه وامتحناه (فاستغفر ربه) أي طلب غفران مولاه في دنياه وأخراه (إلى قوله وَحُسْنَ مَآبٍ [ص: ٢٥] ) يعني وَخَرَّ راكِعاً أي وسقط للسجود بالخضوع والخشوع حال انتقاله من الركوع وأناب أي رجع من الغفلة إلى الحضرة فإن الإنابة أخص من التوبة فهي الرجوع من المعصية إلى الطاعة فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ أي إن كان له ذنب هنالك وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى أي لقربى وَحُسْنَ مَآبٍ مرجع إلى الجناب (وقوله فيه) أي في حقه وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ أي صاحب القوة في الطاعة إِنَّهُ أَوَّابٌ كثير الأوبة وهي الرجعة حتى عن الخطرة (فمعنى فتنّاه اختبرناه) أي امتحناه (وأواب قال قتادة مطيع) أي في كل باب (وهذا التّفسير أولى) في حق أولي الألباب؛ (قال ابن عبّاس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم) لعل تقديم ابن عباس لكونه من ذوي القربى وإلا فابن مسعود أفقه الصحابة بعد الخلفاء الأربعة بل ابن عباس أخذ عنه التفسير والحديث والقراءة (ما زاد داود) أي إن صح عنه (على أن قال للرّجل) من أمته تلويحا أو تصريحا (انزل لي عن امرأتك) أي طلقها لأني أريد أن أتزوجها وأكد الأمر بقوله (واكفلنيها) أي أعطنيها وحقيقة ضمها إلي واجعل كفالتها لدي ومؤنتها علي وكان أهل زمان داود عليه الصلاة والسلام يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وكان ذلك مباحا لهم غير أن الله تعالى لم يرض له بما هنالك (فعاتبه الله على ذلك ونبّهه عليه) كما في الآية (وأنكر عليه شغله بالدّنيا) وقلة رغبته في الآخرة وازدياد النساء وقد أغناه الله تعالى عنها بما اعطاه من غيرها على أن مثل هذا الاستدعاء ليس محظورا في مذاهب سائر الأنبياء كطلب سائر المماليك وباقي الأشياء غير أنه لا يستحسن عرفا بين الأحياء (وهذا) التأويل (الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ) أي يعتمد عليه لجلالة قدره (وقيل خطبها على خطبته) بكسر أوله أي قبل زواجه وهو مكروه في ملتنا إذا وقع التراضي في قضيته قال التلمساني روي أنه كان خطبها أورياء ثم خطبها داود عليه السلام فآثره أهلها فكان ذنبه أن خطبها على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه أي بالشرط الذي قدمناه وهو غير معلوم مما نقلناه، (وقيل بل أحبّ بقلبه) وهذا مما لا يعرفه غير ربه (أن يستشهد) أي أورياء ليأخذ امرأته بعده ولعله كان خطرة من غير اصرار عليه والحاصل أنه لا ينبغي أن يلتفت إلى ما نقله أهل القصص من أن داود تمنى منزلة أبيه إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام فقال يا رب إن آبائي قد ذهبوا بالخير كله فأوحى الله تعالى إليه أنهم ابتلوا بالبلاء فصبروا عليه قد ابتلي إبراهيم بنمرود وإسحاق بذبحه ويعقوب بالحزن على يوسف وذهاب بصره فسأل الابتلاء فأوحى الله تعالى إليه إنك لتبتلي في يوم كذا فاحترس فلما كان ذلك اليوم دخل محرابه وأغلق بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور فجاء الشيطان في صورة حمامة من ذهب فمد يده ليأخذها لابن له صغير فطارت فوقفت في كوة فتبعها فأبصر امرأة جميلة قد نقضت شعرها فغطي بدنها وهي امرأة أورياء وهو من غزاة البلقاء فكتب إلى أيوب بن صوريا وهو صاحب البلقاء أن أبعث أورياء وقدمه على التابوت