للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله تعالى عليه وسلم حد القذف ولم يقتلهم لارتدادهم ولا أمرهم تحديد الإسلام وسائر ما يترتب عليه من الأحكام وقال الأنطاكي حكي أن سليمان عليه الصلاة والسلام بلغه أن في بعض الجزائر مدينة عظيمة وبها ملك عظيم الشأن فخرج إليها يحمله الريح حتى أناخ بها بجنوده من الجن والإنس فقتل ملكها وأصاب بنتا له من أحسن النساء وجها فاصطفاها لنفسه وأسلمت فأحبها وكان لا يرقأ بدمعها حزنا على أبيها فأمر الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته وكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدون لتلك الصورة فأخبر آصف سليمان بذلك فكسر الصورة وعاقب المرأة ثم خرج وحده إلى فلاة وفرش الرماد فجلس عليه تائبا إلى الله تعالى متضرعا إلى مولاه (وَلَا يَصِحُّ مَا نَقَلَهُ الْأَخْبَارِيُّونَ مِنْ تَشَبُّهِ الشّيطان به) أي بصورته وفي نسخة ما قاله الاخباريون من خرافاتهم عما فعله ومن تشبه الشيطان به (وتسلّطه على ملكه) أي سرير دولته (وتصرّفه في أمّته) وسائر رعيته (بِالْجَوْرِ فِي حُكْمِهِ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يُسَلَّطُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا؛ وَقَدْ عُصِمَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ مثله) قلت ومما يؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام إن الشيطان لا يتمثل بي ولا يتصور بصورتي فهذا إذا كان ممنوعا عنه في حال المنام فبالأولى أن لا يقدر على التمثل في حال اليقظة بشكله عليه الصلاة والسلام والظاهر أن سائر الأنبياء عليهم السلام يكون أمرهم على هذا النظام فإن الأنام مأمورون باتباع أوامرهم ونواهيهم والاقتداء بأقواله وأفعالهم فلو صور الشيطان بصور الأنبياء لوقع التشكيك في حقيقة أحوالهم ومن جملة ما نقله الأخباريون في تشبه الشيطان به وتسلطه على ملكه أن سليمان عليه السلام كانت له أم ولد يقال لها أمينة وكان إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها وكان ملكه في خاتمه فوضعه عندها يوما فأتاها الشيطان صاحب البحر واسمه الصخر على صورة سليمان فقال يا أمينة خاتمي فناولته إياه فتختم به وجلس على كرسي سليمان فعكفت عليه الطير والجن والإنس وغير سليمان من هيئته فأتى أمينة لطلب الخاتم فأنكرته وطردته فكان عليه السلام يدور على البيوت يتكفف وإذا قال أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه ثم عمد إلى السماكين ينقل لهم السمك ويعطونه كل يوم سمكتين فمكث على ذلك أربعين صباحا عدد ما عبد الوثن في بيته فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان وسأل آصف نساء سليمان فقلن ما يدع امرأة منا في دمها ولا يغتسل من جنابة ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة ووقعت السمكة في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به فوقع ساجدا لله تعالى ورجع إليه ملكه هذه فرية عظيمة بلا مرية ولقد أبى العلماء المحققون قبول هذا النقل تنزيها لنساء الأنبياء عما نسب إليهن من الانباء، (وإن سلم لِمَ لَمْ يَقُلْ سُلَيْمَانُ فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ إن شاء الله فعنه أجوبة) متعددة (أحدها) وفي نسخة فعنه جوابان أي مرضيان أحدهما (مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ نَسِيَ أن يقولها وذلك) أي وقوع النسيان (لينفذ مراد الله تعالى) وفق ما قدره وقضاه فهذا كقوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>