يَشاءَ اللَّهُ (والثّاني أنّه لم يسمع صاحبه) أي كلامه (وشغل عنه) بشيء خالف مرامه (وَقَوْلُهُ وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص: ٣٥] لَمْ يَفْعَلْ هَذَا سُلَيْمَانُ) أي لم يصدر عنه هذا القول (غيرة) بفتح الغين ويكسر أي حرصا ونهمة (على الدّنيا) من مالها وجاهها (ولا نفاسة بها) بفتح النون أي لا رغبة فيها إذ جل رغبتهم في حضرة المولى ونعمة الأخرى قال تعالى وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ لأن النفاسة رغبة في الشيء النفيس دون الخسيس وقد ورد لو كانت الدنيا تعدل جناح بعوضة لما سقي كافرا منها شربة ماء وإنما ابتلي سليمان عليه السلام بهذا الملك الوسيع والجاه الرفيع ليكون حجة على الملوك في القيام بحق العبودية والعمل بأحكام الربوبية ومع هذا فقد ورد أنه يدخل الجنة بعد سائر الأنبياء بخمسمائة عام لتعرف أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ولهذا ورد أن عبد الرحمن ابن عوف يدخل الجنة بعد فقراء المهاجرين بخمسمائة عام فكل هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في العقبى والحكم فيهما للمولى رزقنا الله العمل بالأولى وبلغنا المقام الأعلى والمرام الأعلى (ولكن مقصده) بكسر الصاد أي مراده بهذا الدعاء (في ذلك) النداء (على ما ذكره المفسّرون) أي بعضهم (أَنْ لَا يُسَلَّطَ عَلَيْهِ أَحَدٌ كَمَا سُلِّطَ عليه الشّيطان الّذي سلمه إِيَّاهُ مُدَّةَ امْتِحَانِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ) ويروى على من قال (ذلك) وقد عرفت ضعف ما هنالك.
(وَقِيلَ بَلْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ الله فضيلة) زائدة (وخاصّة) أي مزية خالصة (يَخْتَصُّ بِهَا كَاخْتِصَاصِ غَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ ورسله بخواصّ منه) كالخلة لإبراهيم وكالتكليم لموسى ونحوهما فإن قيامه على وجه العدالة والاستقامة مع كثرة الرعية من الجن والإنس والطير والذرة وتفقدهم بالرعاية والحماية لعله من خواصه لم يكن لغيره أن يقوم مقامه فسبحان من أقام العباد فيما أراد وقد قال تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً فمن عباده من يصلح للفقر والعناء ومنهم من يصلح للجاه والغنى وليس أحد يطلع على حقيقة القدر والقضاء، (وقيل ليكون ذلك) أي بقاء ملكه حقيقة وحكما (دَلِيلًا وَحُجَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِ كَإِلَانَةِ الْحَدِيدِ لِأَبِيهِ) أي دواد كما في نسخة (وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى لِعِيسَى وَاخْتِصَاصِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم بالشّفاعة) أي الكبرى وهي المقام المحمود (ونحو هذا) من اختصاص موسى بنعت الكليم ووصف إبراهيم بالخلة. (وأمّا قصّة نوح عليه السّلام) وهو منصرف وجوز منع صرفه قيل اسمه عبد الغفار وسمي نوحا لكثرة بكائه وتضرعه في دعائه (فظاهرة العذر) فيما وقع له من الأمر (وأنّه أخذ فيها بالتّأويل) وفي نسخة بالتأويل (وظاهر اللّفظ لقوله تعالى وأهلك) أي عمومه في الخلاص من هلاكه وكأنه صرف الاستثناء إلى غير أهله، (فطلب مقتضى هذا اللّفظ) من عمومه (وأراد علم ما طوي عنه) بصيغة المجهول أي ستر وخفي (من ذلك) خصوصه بإخراجه من جملة أهله (لا أنّه) أي نوحا (شكّ في وعد الله تعالى) بنجاة أهله (فبيّن الله عليه) أي أظهر لديه وفي نسخة علته أي سببه (أنّه ليس من أهله الّذين وعدهم) وفي نسخة وَعَدَهُ (بِنَجَاتِهِمْ لِكُفْرِهِ وَعَمَلِهِ الَّذِي هُوَ