بالصغائر لا بمعنى أنه يمتنع عقلا بل بمعنى أنه لا يجوز أن يقع لقيام الأدلة السمعية على أنه لا يقع مستدلا بظاهر قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وأجيب بأن الكبيرة المطلقة هي الكفر لأنه الكامل في المعصية وجمع الاسم بالنظر إلى أنواع الكفر الصادر من اليهود والنصارى والمشركين وإن كان الكل ملة واحدة في حكم الكفر أو إلى أفراده القائمة بأفراد المخاطبين فيكون من قبيل مقابلة الجمع بالجمع فيكون التقدير أن تجتنبوا أنواع الكفر نكفر عنكم سيئاتكم السابقة وأما اللاحقة فهي تحت المشيئة للآية المتقدمة فالخطاب على هذا للكفرة أو المعنى إن تجتنبوا الكبائر نكفر عنكم الصغائر بالحسنات من الطاعات كالصلاة والزكاة وسائر العبادات والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحالات، (وَقَدْ قِيلَ إِنَّ كَثْرَةَ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم وتوبته) أي بوصف كثرته (وغيره من الأنبياء) إنما كان (على وجه ملازمة الخضوع والعبوديّة) ولوازمها من المسكنة والخشوع (والاعتراف بالتّقصير) في القيام بحق العبودية كما يقتضيه كمال الربوبية وجمال الألوهية (شكرا لله على نعمه) أي من إحسانه وكرمه (كما قال عليه الصلاة والسلام وقد أمن) بفتح فكسر وفي نسخة بضم فتشديد ميم مكسور مجهول من باب التفعيل وليس كما قال الأنطاكي الظاهر إنه غلط إذ البناء المجهول من هذا الباب أو من بالميم المخففة وأصله أو من قلبت الهمزة الثانية واوا لسكونها وانضمام ما قبلها هذا مقتضى القواعد التصريفية انتهى نعم هذا مقتضاها لو اريد مجهول أمن من باب الأفعال والله اعلم بالأحوال أي والحال أنه قد اعطى الأمن (من المؤاخذة بما تقدّم وما تأخّر) من ذنبه ومع هذا قام في التهجد لربه حتى تورمت قدماه من طول قيامه مع علو مقامه وقلة منامه مغاتبه بعض أصحابه اتفعل هذا وقد غفر الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فقال في جوابه (أفلا أكون عبدا شكورا) أي كثير الشكر لربي على مغفرة ذنبي وشرح صدري وقلبي (وقال) في حديث آخر في جواب من قال يبيح الله لنبيه ما شاء من الأشياء (إنّي أخشاكم لله) وفي نسخة لأخشاكم الله أي أكثركم خشية (وأعلمكم بما أتّقى) أي احذره فأتركه من المعصية والمخالفة ورواه البخاري بلفظ إني لأتقاكم وأخشاكم له وفي رواية أن أخشاكم واتقاكم لله أنا (قال الحارث بن أسد) وفي نسخة سويد والأول هو المعول وهو المحاسبي العارف الزاهد المعروف البصري الأصل صاحب التأليف منها كتاب الرعاية ومنها النصائح ومن جملة كلامه أنه لا يعمل بما فيه خلاف الأولى والمحاسبي بضم الميم نسبة إلى محاسبة نفسه كما في النووي روى عن زيد بن هارون وغيره وعنه ابن مسروق ونحوه وهو ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن والشريعة والطريقة والحقيقة ورث من أبيه سبعين ألف درهم فلم يأخذ منها شيئا لأقل ولأجل لأن أباه كان يقول بالقدر فرأى من الورع أن لا يأخذ من ميراثه ومات وهو محتاج إلى درهم واحد وكان إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة تحرك على أصبعه عرق فكان يمنع منه وفي هذا من مناقبه توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين (خَوْفُ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ خَوْفُ إِعْظَامٍ وَتَعَبُّدٍ لِلَّهِ) على وجه إجلال واكرام (لأنّهم آمنون) من