وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ مُوسَى تُبْتُ إِلَيْكَ. إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ [الأعراف: ١٤٤] ) أي برسالاتي وبكلامي (وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فِتْنَةِ سُلَيْمَانَ وَإِنَابَتِهِ فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ [ص: ٣٦] إِلَى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص: ٢٥] ) أي إلى قوله وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ وأمثال ذلك مما ورد في هذا الباب (وقال بعض المتكلّمين) من أرباب الإشارات (زلّات الأنبياء في الظّاهر زلّات) أي عثرات تستوجب ملامات (وفي الحقيقة كرامات وزلف) بضم الزاء وفتح اللام أي قربات ومكرمات (وأشار إلى نحو ممّا قدّمناه) من مستحسنات عبارات (وأيضا فلينبّه) من التنبيه بصيغة المجهول أو من الانتباه بصيغة المعلوم (غيرهم من البشر) وهم خواص أمتهم وأولياء ملتهم وعلماء شريعتهم (منهم) أي من جهة أحوالهم (أو ممّن ليس في درجتهم) من أهل النبوة لتفاوت مرتبتهم (بمؤاخذتهم بذلك) أي بمعاتبتهم بما فعلوا هنالك (فيستشعروا الحذر ويعتقدوا المحاسبة) فيما قل وكثر (ليلتزموا الشّكر على النّعم) بأن سلموا من موجب النقم (ويعدّوا) بضم الياء وكسر العين وتشديد الدال أي ويهيئوا (الصّبر على المحن) عند ابتلائهم بالفتن (بملاحظة ما وقع) أي حل (بأهل هذا النّصاب) أي القدر الكامل من النصب ويروى هذا النمط أي الطريق (الرّفيع) في الرتبة (المعصوم) أي المحفوظ من الفتنة والمحنة (فكيف بمن سواهم) ممن يدعي المحبة والمتابعة في طريق المودة، (ولهذا قال صالح المرّيّ) بضم الميم وتشديد الراء نسبة إلى قبيلة بني مرة وهو الواعظ الزاهد يروي عن الحسن البصري وعنه يونس المؤدب ويحيى بن يحيى ضعفوه وقال أبو داود لا يكتب حديثه وقال الترمذي له غرائب ينفرد بها ولا يتابع عليها وهو رجل صالح وقد أخرج له الترمذي (ذكر داود) مبتدأ أي ذكر الله تعالى قصة داود خبره (بسطة للتّوّابين) أي تسلية ونشاط وسبب انبساط للمذنبين ليتهيأوا للتوبة ولا ييأسوا من الرحمة (قال ابن عطاء) وهو من العلماء الأجلاء (لم يكن ما نصّ الله تعالى من قصّة صاحب الحوت) وهو يونس عليه السلام (نقصا له) في المرتبة (ولكن) كان نصه (استزادة من نبيّنا عليه الصلاة والسلام) في علو الدرجة (وأيضا فيقال لهم) أي للقائلين بجواز صدور المعصية عن ارباب النبوة بعد البعثة بطريق الالزام في القضية (فإنّكم ومن وافقكم) في هذه العقيدة (تقولون) أي اتقولون (بغفران الصّغائر باجتناب الكبائر) أي بمجرد اجتنابها فيلزم منه غفران الكبائر (ولا خلاف) أي بيننا وبينكم (فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ فَمَا جَوَّزْتُمْ من وقوع الصّغائر عليهم) أي بالفرض والتقدير (هي مغفورة على هذا) التقرير (فما معنى المؤاخذة بها إذا) أي حينئذ (عندكم) مع قولكم إنهم منزهون عن الكبائر (وخوف الأنبياء) أي وما معنى خوف الأنبياء من الصغائر (وتوبتهم منها وهي مغفورة لهم) أي لاجتنابهم الكبائر (لو كانت) أي الصغائر موجودة (فما أجابوا به) لنا (فهو جوابنا عن المؤاخذة بأفعال السّهو والتّأويل) وفيه أن مذهب أهل السنة والجماعة أنه يجوز العقوبة على الصغائر لو اجتنب مرتكبها الكبائر لدخولها تحت قوله تعالى وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ نعم ذهب بعض المعتزلة إلى أنه إذا اجتنب الكبائر لم يجز تعذيبه