هاروت وماروت فنزلا فألقى عليهما الشهوة فجاءت امرأة يقال لها الزهرة الحديث بطوله ثم قال روى عنه أبو زرعة والأشرم وجماعة وضعفه أبو حاتم وقال أبو داود لم يكن بذلك وقال النسائي الحسين سنيد بن داود ليس بثقة ثم أخرج الذهبي وفاته انتهى ولا يخفى أن الحديث كما تراه مرفوعا وموقوفا له أصل ثابت في الجملة لتعدد طرقه واختلاف سنده في مسند أحمد وصحيح ابن حبان وتفسير ابن جرير وشعب البيهقي ومسند عبد بن حميد والعقوبات لابن أبي الدنيا وغيرهم مطولا ومن رواية أبي الدرداء في ذم الدنيا لابن أبي الدنيا وموقوفا عن علي وابن عباس كما مر وعن ابن عمر وابن مسعود بأسانيد صحيحة وقد قيل لهذه القصة طرق تفيد العلم لصحتها فالجواب الصواب إن الكلام في عصمة الملائكة الكرام وهذان قد خرجا عن صفة الملائكة بإلقاء نعت البشرية من الشهوة النفسية عليهما ابتلاء لهما في القضية والتحقيق والله ولي التوفيق أن الملائكة خلقوا للطاعة كما أن الشياطين خلقوا للمعصية وكل من الطائفتين جبلوا بما لهم من القابلية وأما الأفراد الإنسانية فمعجون مركب من الصفات الملكية والنعوت الشيطانية مرتب بين المراتب العلوية والمناقب السفلية فمن مال إلى أطوار الملائكة ترقى عنهم ومن مال إلى انشاز الشياطين تنزل عنهم فالإنسان كالبرزخ بين البحرين شارب من النهرين جامع بين نعوت الجلال وصفات الجمال وقابل لقبول ما لله من صفات الكمال فقد ورد لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم إيماء إلى نعت الغفور والغفار والحليم والستار ومن هنا يتبين أن الأنبياء يتصور منهم المعصية في الجملة بخلاف الملائكة مع أن المعتمد في المعتقدان رسل البشر أفضل من رسل الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولعل العلة أنهم مع كون الشهوة فيهم مركبة وقعت أحوالهم مرتبة في رفعة منزلة وعلو مرتبة (وليس هو) أي ما نقل من الأخبار (شيئا يؤخذ بقياس) أي من الآثار في مقام الاعتبار (والّذي منه) أي من خبر قصتهما (في القرآن) أي في سورة البقرة (اختلف المفسّرون في معناه) فكل ذهب إلى ما اطلع عليه نقلا من جهة مبناه، (وأنكر ما قال بعضهم فيه) أي في معناه (كثير من السّلف كما سنذكره) فيما سيأتي فلا نطول هنا بذكره، (وهذه الأخبار) التي أوردها المفسرون فيه (من كتب اليهود وافترائهم) على انبياء الله وملائكته من أرباب الشهود (كما نصّه الله تعالى) أي صرحه (أوّل الآيات) أي في أولها (من افترائهم) أي كذب اليهود (بذلك على سليمان وتكفيرهم إيّاه) في قوله واتبعوا أي اليهود ما تتلوا الشياطين أي كتب السحر والشعوذة التي كانت تقرؤها على ملك سليمان أي في زمن ملكه وعهده وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يخلطون بما سمعوا أكاذيب كثيرة ويلقونها إلى الكهنة وقد دونوها في الكتب يقرؤونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمنه حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم له ملكه إلا به وما سخر له الجن والإنس والطير والريح إلا به وما كفر سليمان شهادة من الله وتكذيبا لليهود ودفعا لما بهتت به سليمان من اعتقاد السحر والعمل به ولكن الشياطين كفروا باستعمالهم